وكان الذي لقيهما ناصر الدولة وسيف الدولة. الخليفة المتقي لله، وعظم شأنهما، وكان الخليفة المكتفي بالله قد ولى أباهما عبد الرحمن بن حمدان الموصل وأعمالها. وناصر الدولة أكبر سناً من سيف الدولة، فملك الموصل بعد أبيه، وكان أقدم منزلة عند الخلفاء.

فلما توفي سيف الدولة تغيرت أحواله كما سيأتي في ترجمته. وأخبار سيف الدولة كثيرة مع الشعراء، خصوصاً مع المتنبي والسري الرفاء واليامي والببغا. ولو أراد تلك الطبقة في تعدادهم طول. وكانت ولادته يوم الأحد سابع عشر ذي الحجة، سنة ثلاث وثلاث مائة، وقيل سنة إحدى وثلاث مائة. وتوفي يوم الجمعة ثالث ساعة وقيل رابع ساعة، لخمس بقين من صفر، السنة المذكورة بحلب وقد نقل إلى فارقين ودفن في تربة.

وكان قد جمع له من بعض الغبار الذي يجتمع عليه في غزواته شيئاً وعمله بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خده عليها في لحده، فنفذت وصيته في ذلك، وكان تملكه بحلب في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، انتزعها من يد أحمد بن سعيد الكلابي صاحب الإخشيذ: قلت ولعله المراد بقول الشاعر:

ما زلت أسمع والركبان تخبرني ... عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر

حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري

على ما ذكر بعض أهل المعاني والبيان، أنه أحمد بن سعيد، والذي ذكره ابن خلكان وغيره أنه جعفر بن فلاح، وإن قائلهما ابن هانىء الأندلسي، وغلط من قال خلاف هذا، والبيتان المذكوران في ترجمة جعفر المذكور في سنة ستين وثلاثمائة.

وملك بعد سيف الدولة ولده سعد الدولة أبو المعالي شريف بن سيف الدولة. وطالت مدته أيضاً في المملكة، ثم عرض له قولنج أشرف منه على التلف، وفي اليوم الثالث من عافيته واقع جاريته، فلما فرغ منها سقط عنها، وقد جف شقه الأيمن، فدخل عليه طبيبه، فأمر أن يسحق عنده الند والعنبر، فأفاق قليلاً، فقال الطبيب له: أرني مجسك، فناوله يده اليسرى، فقال: أريد اليمنى، فقال: ما تركت اليمين يميناً، وكان قد حلف وغدر.

وتوفي ليلة الأحد لخمس بقين من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة، وعمره أربعون سنة وست أشهر وعشرة أيام، وتولى بعده ولده أبو الفضل سعد ولم يذكروا تاريخ وفاته، وبموته انقرض ملك بني سيف الدولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015