الهيئة وهو بمدينة حلب فأنشده:
أنت علي هذه حلب ... قد نفذ الزاد وانتهى الطلب
بهذه هجر البلاد وبالأمير ... تزهو على الورى العرب
وعبدك الدهر قد أضر به ... إليك من جور عبدك الهرب
فقال سيف الدولة: أحسنت والله وأمر له بمائتي دينار، وقال أبو القاسم عثمان بن محمد قاضي عين زربة بالزاي ثم الراء ثم الموحدة حضرت مجلس الأمير سيف الدولة بحلب، وقد وافاه القاضي أبو نصر محمد بن محمد النيسابوري، وقد طرح في كمه كيساً فارغاً، ودرجاً فيه شعر، استأذن في إنشاده، فأذن له فأنشد قصيدة أولها:
جنابك معتاد وأمرك نافذ ... وعبدك محتاج إلى ألف درهم
فلما فرغ من شعره ضحك سيف الدولة ضحكاً شديداً، وأمر له بألف درهم، فجعلت في الكيس الفارغ الذي كان معه.
وكان أبو بكر محمد، وأبو عثمان سعيد، ابنا هاشم المعروف بالخالد من الشعراء المشهورين، أبو بكر أكبرهما، وقد وصلا إلى حضرة سيف الدولة، ومدحاه فأنزلهما وقام بواجب حقهما، وبعث لهما مرة وصيفاً ووصيفة، ومع كل واحد منهما بدرة، وتخت ثياب من عمل مصر، فقال أحدهما من قصيدة طويلة:
لم يعد شكرك في الخلائق مطلقاً ... إلا ومالك في النوال حبيس
حولتنا شمساً وبدراً أشرقت ... بهما الدنيا الظلمة الحنديس
رسالة أتانا وهو حسناء يوسف ... وغزالة هي بهجة بلقيس
وهذا ولم تقنع بذا وبهذه ... حتى بعثت المال وهو نفيس
أتت الوصيفة وهي تحمل بدرة ... وأتى على ظهر الوصيف الكيس
وحبوتنا مما أحادث حوله ... مصر وزادت حسنة بئيس
فغدا لنا من جودك المأكول ... والمشروب والمنكوح والملبوس
فقال سيف الدولة: أحسنت إلا في لفظة المنكوح، فليس مما يخاطب الملوك بها.
ومن أشعار سيف الدولة، وقد جرت بينه وبين أخيه وحشة، فكتب إليه سيف الدولة:
لست أجفو وإن جفيت ولا ... أترك حقاً علي في كل حال
إنما أنت والد، والأب ... الجافي يجازي بالصبر والاحتمال
وكتب إليه مرة أخرى ما تقدم من قوله قريباً: " رضيت لك العليا وإن كنت أهلها ".