سلم لي على والدي، فقال: ما طريقي على النار. فخرج من مجلسه وأتى منزله، وأياماً ثم مات. وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم، فزعم أنه غلط عليه في بعض العقاقير.
قال إبراهيم بن محمد المعروف بنفطويه: رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت: ما حالك؟. فأنشد:
غلط الطبيب على غلط مورده ... عجزت موارده عن الإصدار
والناس يلجون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار
وكان الوزير المذكور سفاكاً للدماء الصغير والكبير منه على وجل، لا يعرف أحد من أرباب الأموال منه نعمة، فلما توفي سنة إحدى وسبعين في خلافة المكتفي، وقد نيف الثلاثين، قال فيه عبد الله بن الحسين بن سعد.
شربنا عشية مات الوزير ... سروراً ونشرب في ثالثه
فلا رحم الله تلك العظام ... ولا بارك الله في وارثه
وفيها توفي قدوة السالكين، وحجة الله على العارفين، كريم المقامات وعظيم الكرامات، الولي الكبير المعظم الشهير أبو محمد سهل بن عبد الله التستري، قدس الله روحه، في شهر المحرم، وله نحو من ثمانين سنة، وله كلام جليل في السلوك والمواعظ وكان سبب سلوكه للطريق خاله محمد بن سوار، فإنه قال: كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم بالليل، وكان يقول: يا سهل اذهب ونم، فقد شغلت قلبي. وقال ليس يوماً خالي: ألا تذكر الله الذي خلقك؟. فقلت: كيف أذكر؟. فقال: قل بقلبك في الليل في فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسان: الله معي، الله ناظري، الله شاهدي، فقلت ذلك عشر ليالي، ثم أعلمته فقال: قلها كل سبع مرات، فقلت ذلك، ثم أعلمته فقال: قلها كل يوم إحدى عشرة مرة. كذا قال بعضهم، وقال في الرسالة: قل في كل ليلة إحدى عشرة. وأرى هذا أصح وأنسب إذ الليل وقت الغفلة، والذكر فيه أفضل. قال: فقلت ذلك، فوقع في قلبي حلاوته. فلما كان بعد سنة قال لي: احفظ ما علمتك. ثم دم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه سينفعك في الدنيا والآخرة، قال: فلم يزل على ذلك سنين، فوجدت له حلاوة في سري، ثم قال لي يوماً خالي: كان الله معه وهو ناظره، وشاهده كيف يعصيه، إياك والمعصية. قال: فبعثوا بي إلى الكتاب فقلت: إني أخشى أن يفرق علي همي، ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة، فأتعلم وأرجع. فحفظت القرآن وأنا ابن ست أو سبع، وكنت أصوم الدهر وقوتي خبز الشعير