ستة المجوس.
وفيها توفي أبو العباس علي بن العباس المعروف بابن الرومي مولى عبيد الله بن عيسى بن أبي جعفر المنصور العباسي الشاعر المجيد المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة، ويستخرجها من مكامنها، ويبرزها بأحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره، ولا يبقي فيه بقية، وكان شعره غير مرتب، فرتبه أبو بكر الصولي على الحروف، وجمعه وراق بن عبدوس من جميع النسخ، فزاد على كل نسخة مما هو على الحروف وغيرها نحو ألف بيت، وله القصائد المطولة والمقاطيع البديعة، وله في الهجاء والمديح كل طريق ومليح، من ذلك قوله:
كم ضن بالمال أقوام وعندهم ... وفر، وأعطى العطايا وهو يدان
أراكم ووجوهكم وسيوفكم ... في الحادثات إذا دجون نجوم
منها معالم للهدى ومصالح ... تجلو الدجى والأخريات رجوم
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها وإنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد
وله من المعاني البديعة قوله:
وإذا امرؤ مدح أمرأ لنواله ... وأطال فيه فقد أراه هجاءه
لو لم يقدر فيه بعد المستقى ... عند الورود لما أطال رشاءه
وكذلك قوله في ذم الخضاب:
إذا دام للمرء السواد فما خلت ... شبيبة ظن السواد خضابا
فكيف يروم الشيخ أن خضابه ... يظن سواداً أو يخال شبابا
قال بعض علماء الأدب: ما سبقه إلى هذا المعنى أحد. وله في بغداد وقد غاب عنها.
بلد صحبت به الشبيبة والصبا ... ولبست ثوب العيش وهو جديد
فإذا تمثل في الضمير رأيته ... وعليه أغصان الشباب تميد
وكان سبب موته في بغداد أن الوزير القاسم بن عبد الله وزير المعتضد كان يخاف من هجوه، فدس عليه ابن فراس، فأطعمه خشكنانة مسمومة، وهي في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلى أين تذهب. فقال إلى الموضع الذي بعثتني إليه. فقال: