اثنتي عشرة سنة، فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فسألت أن يبعثوا بي إلى بصرة أسأل عنها. فجئت البصرة، وسألت علماءها، فلم يشفني ما سمعت، فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العبادي. فسألته عنها، فأجابني، أقمت عنده مدة أنتفع بكلامه، وأتأدب بأدبه. ثم رجعت إلى تستر فجعلت قوتي اقتصاراً على أن يشتري لي بدرهم، فرق من الشعير، فيطحن ويختبز، فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بغير ملح ولا أدام. وكان يكفيني ذلك الدرهم سنة، ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال، ثم جعلتها خمساً ثم سبعاً حتى بلغت خمسة وعشرين ليلة، وكنت على ذلك عشرين سنة ثم خرجت أسيح في الأرض سنين، ثم عدت إلى " تستر "، وكنت أقوم الليل كله.
قلت: وله من الكرامات الشهيرات ما يطول ذكره، بل يشق ويتعذر حصره، من ذلك قصته المشهورة مع يعقوب بن الليث حين أصابته علة أعضلت الأطباء، فقيل له: ولايتك رجل صالح، يقال له سهل بن عبد الله، فلو استدعيت به لعلة يدعو لك، فاستدعى به، فلما حضر قال: ادع لي، فقال: كيف يستجاب دعائي فيك، وفي سجنك محبوسون؟ . فأطلق كل من في السجن، فقال سهل: اللهم كما أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة، فعوفي في وقته، فعرض مالاً على سهل، فأبى أن يقبل، فقيل له: لو قبلته وفرقته على الفقراء. فنظر إلى الحصى في الصحراء، فإذا هي جواهر فقال: من أعطي مثل هذا أيحتاج إلى مال يعقوب بن الليث؟ وفيها توفي قاضي القضاه أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الشوارب الأموي بصري. وكان رئيساً معظماً ديناً خيراً، روى عن أبي الوليد الطيالسي.
قال محمد بن جرير: فيها عزم المعتضد على لعن معاوية على المنابر، فخوفه الوزير من اضطراب العامة، فلم يلتفت. ومنع القصاص من الكلام ومن اجتماع الخلق في جوامع، وكتب كتاباً فيه مصائب ومعائب. فقال القاضي يوسف بن يعقوب: يا أمير مؤمنين، أخاف الفتنة عند سماعه. فقال: إن تحركت العامة وضعت فيهم السيف. قال: