الوراقين وكذب المؤلفين، فقال له أبو العيناء: فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير؟ فكذبه الوزير، وعجب الحاضرون من إقدامه عليها. وشكا إلى الوزير عبيد الله بن سليمان سوء الحال فقال له: أليس قد كتبت إلى فلان من أمرك؟ قال: نعم، قد كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر وذل الأسر ومعاناة الدهر، فأخفق سعي وخاب طلبي، فقال عبيد الله: أنت اخترته، فقال: وما علي أيها الوزير في ذلك، وقد اختار موسى من قومه سبعين رجلاً، فما كان فيهم رشد، واختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي سرح كاتباً، فرجع إلى المشركين مرتداً واختار علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أبا موسى الأشعري حاكماً له، فحكم عليه. وقوله: ذل الأسر يعني أنه أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة، وسجنه فنقب السجن وهرب. ودخل أبو العيناء يوماً على الوزير أبي الصفر فقال: ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء. فقال: سرق حماري، قال: وكيف سرق " قال: لم أكن مع اللص فأخبرك، قال: فهل أتيتنا على غيره؟ فقال: أقعدني عن السير قلة يساري، وكرهت ذلة المكاري، ومنة العواري. وخاصم علوياً فقال العلوي: أتخاصمني وأنت تقول: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد؟ فقال: لكنني أقول الطيبين الطاهرين ولست منهم.

ووقف عليه رجل من العامة فقال: من هذا؟ قال: رجل من بني آدم، فقال: مرحباً بك أطال الله بقاءك ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع. ومر بباب بعض من بغضه وهو مريض فقال لغلامه: كيف حاله. فقال: كما تحب، فقال: مالي لا أسمع الصراخ عليه وذكر له أن المتوكل قال: لولا أنه ضرير لنا دمناه، فقال: إن عفاني من روية الأهلة وقراءة نقش القصوص، فأنا أصلح للمنادمة. وقال له ابن مكرم يوماً يعرض به: كم عدة المكذبيين بالبصرة؟ فقال: مثل عدد البغائين ببغداد. وقال له المتوكل يوماً: ما تقول في دارنا هذه فقال: الناس بنوا الدار في الدنيا، وأنت بنيت الدار في دارك، فاستحسن كلامه.

ثلاث وثمانين ومائتين

فيها ظفر المعتضد برأس الخوارج هارون الشاري " بالشين المعجمة " وجيء به راكباً فيلاً، وزينت بغداد.

وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام وإبطال دواوب المواريث في ذلك، وكثر الدعاء له. وكان قبل ذلك قد أبطل النيروز وقيد النيران وأمات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015