خمارويه بالهدايا والتحف، فأقره المعتضد على عمله، وسأل خمارويه المعتضد أن يزوج ابنته أسماء الملقبة بقطر الندى للمكتفي بالله بن المعتضد، وهو إذ ذلك ولي العهد، فقال المعتضد: بل أنا أتزوجها، فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين، ودخل بها في هذه السنة، وقيل في سنة اثنتين وثمانين ومائتين والله أعلم.
وكان صداقها ألف ألف درهم، وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل، حكي أن المعتضد خلى بها يوماً للأنس في مجلس أفرده لها، ما حضره سواها، فأخذت منه الكأس، فنام على فخذها، فلما استثقلته وضعت رأسه على وسادة، وخرجت فجلست في ساحة القصر، فاستيقظ ولم يجدها فاستشاط غضباً، ونادى بها فأجابته على قرب فقال: لم أجلل إكراماً لك؟ ألم أدفع إليك بهجتي دون سائر خصائصي؟ فتضعين رأسي على وسادة، فتذهبين؟. فقالت: يا أمير المؤمنين، ما جهلت قدر ما أنعمت به علي، ولكن فيما أدبني به أبي إذ قال، لا تنامي مع الجلوس، ولا تجلسي مع النيام. ويقال إن المعتضد أراد بنكاحها إفتقار الطولونية، وكذا كان، فإن أباها جهزها بجهاز لم يعمل مثله حتى قيل: إنه كان لها ألف هاون ذهباً، وشرط عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجنادها مائتي ألف دينار، فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه، وعمره اثنتان وثلاثون سنة. وكان شهماً صارماً، وقيل قتل قاتلوه أجمعون، وحمل تابوته إلى مصر ودفن عند أبيه بسفح المقطم، وكان من أحسن الناس خطاً. ولفا حملت قطر الندى ابنة خمارويه إلى المعتضد خرجت معها عمتها العباسية ابنة أحمد بن طولون مشيعة لها إلى آخر أعمال مصر من جهة الشام، ونزلت هناك، وضربت فساطيطها، وبنت هناك قرية فسميت بإسمها وقيل لها " العباسية " قال ابن خلكان: وهي عامرة إلى الآن، وبها جامع حسن وسوق قائم. وماتت قطر الندى سنة سبع وثمانين ومائتين، ودفنت داخل قصر الرصافة.
وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أبو محمد الفضل بن محمد الشعراني، طوف الأقاليم وكتب الكثير، وجمع وصنف.
وفيها توفي العلامة أبو العيناء محمد بن القاسم البصري الضرير اللغوي الأخباري، صاحب النوادر والشعر والأدب. سمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري والعتبي وغيرهم، وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لساناً، ومن ظرفاء العالم، وفيه من اللسن وسرعة الجواب والذكاء ما ليس في أحد من نظرائه، وله أخبار حسان وأشعار ملاح، وها أنا أذكر شيئاً يسيراً من ذلك.
حضر يوماً مجلس بعض الوزراء، فجرى حديث البرامكة وما كانوا عليه من الجود، فقال الوزير لأبي العيناء وقد بالغ في وصفهم: قد أكثرت من ذكرهم، وإنما هذا تصنيف