إصلاح المنطق كتاب بلا خطبة، وأدب الكاتب خطبة بلا كتاب، لأن خطبته مطولة مودعة فوائد، وعددوا له أيضاً من التصانيف المفيدات غير كثير.
وفيها توفي محمد بن هشام بن عوف التميمي السعدي، كان ممدوحاً بالحفظ وحسن الرواية. قال مورج " بكسر الراء المشددة والجيم " أخذ مني كتاباً فحبسه ليلة، ثم جاء به، وحفظه بالحفظ وحسن الرواية. قال محمد بن هشام المذكور: لما قدمت مكة لزمت مجلس ابن عيينة فقال لي يوماً: لا أراك تخطىء بشيء مما تسمع؟. قلت: وكيف ذلك. قال: لا أراك تكتب؟ فقلت: إني أحفظه. فاستعاد مني مجالس، فأعدتها على الوجه.
قال: حدثنا الزهري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء قال: وضرب بيده على جنبي وقال: أراك صاحب سبعين أو قال: من أصحاب السبعين، وقيل لسعدي المذكور: مات الضعفاء في هذا الغد، وسلم الأقوياء فقال: أنا سمعت:
رأيت جلتها في الحدب باقية ... ينقي الجواسي عنها حين يزدحم
لأن الرياح إذا ما أعصفت قصفت ... عيدان نجد لم يعبأ بها السلم
وأنشد أيضاً:
وما يواسيك في ما ناب من حدث ... إلا أخو ثقة فانظر بمن تثق
وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله الخبير أبو الفيض ثوبان، وقيل الفيض بن إبراهيم المصرفي المعروف بذي النون، أحد رجال الطريقة، كان لسان هذا الشأن، وأوحد وقته علماً وورعاً وحالاً وأدباً، وكان أبوه نوبياً، سئل عن سبب توبته فقال: خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمت في الطريق في بعض الصحارى، ففتحت عيني فإذا أنا بقنبرة؟ عمياء سقطت من وكرها، فانشقت الأرض، فخرج منها سكرجتان إحداهما ذهب، والأخرى فضة، وفي إحداهما سم، وفي الأخرى ماء، فجعلت تأكل من هذا، وتشرب من هذا، فقلت: حسبي قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلني، وكان قد سعوا به إلى المتوكل، فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه وعظه، فبكى المتوكل، ورده مكرماً، وكان المتوكل إذا ذكر أهل الورع بين يديه يبكي ويقول: إذا ذكر أهل الورع حي هلا بذي النون.