رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها، بعد أن كان قد أمر بها، فالتفت إلينا المأمون وقال: أمحفوظ هذا من حديث الزهري. فقلنا: نعم، يا أمير المؤمنين، رواه جماعة منهم، مالك بن أنس فقال: أستغفر الله، بادروا بتحريم المتعة فبادروا بها.
وقال أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي القاضي الفقيه المالكي البصري، وقد ذكر يحيى بن أكثم فعظم أمره وقال: كان له يوماً لم يكن لأحد مثله، وذكر هذا اليوم، وكانت كتب يحيى في الفقه " أجل كتب، فتركها الناس لطولها، وله كتب في الأصول، وله كتاب أورده على العراقيين وبينه وبين داود بن علي مناظرات كثيرة ".
قالوا: وكان يحيى من أدهى الناس وأخبرهم بالأمور قال يوماً وزير المأمون أحمد بن أبي خالد وهو واقف بين يدي المأمون وابن أكثم معه على طرف السرير يا أمير المؤمنين، إن القاضي يحيى صديقي، ومن أثق به في جميع أمري، وقد تغير عما عهدته منه، فقال المأمون: يا يحيى، إن فساد أمر الملوك بفساد خاصتهم، وما بعد لكما عندي عهد، فما هذه الوحشة فيكما؟. فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين، والله إنه ليعلم أني له على أكثر مما وصف، ولكنه لما رأى منزلتي منك هذه المنزلة حتى خشي أن أتغير عليه يوماً فأقدح فيه عندك. فأحدث أن يقول لك هذا ليأمن مني، وإنه لو بلغ نهاية مساوىء، ما ذكرته بسوء عندك أبداً. فقال المأمون: أكذلك هو يا أحمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال. نستعين الله عليكما، فما رأيت أتم دهاء ولا أعظم فتنة منكما. وكان يحيى إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن حديث، وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو، وإذا رآه يعرف النحو سأله عن الكلام ليقطعه.
وذكر الخطيب في تاريخه أنه ذكر لأحمد بن حنبل رضي الله عنه ما يرمي الناس به يحيى بن أكثم، وينسبونه إليه من الهنات فقال: سبحان الله من يقول هذا أنكر ذلك إنكاراً شديداً.
وذكر الخطيب أيضاً أن المأمون قال ليحيى المذكور: من الذي يقول:
قاضي يرى الحد في الزنا ... ولا يرى على من يلوط من بأس
قال: أو ما تعرف يا أمير المؤمنين. قال: لا، قال: يقوله أحمد بن أبي نعيم الذي يقول:
لا أحسب الجور ينقضي ... وعلى الأمة وال من آل عباس