قال: فاقحم المأمون خجلاً وقال: ينبغي أن ينفى أحمد بن أبي نعيم إلى السند. وهذان البيتان من جملة أبيات له منها قوله:
لا أفلحت أمة، وحق لها ... يطول مكس، وطوله أنعاس
ترضى بيحيى يكون سائسها ... وليس يحيى لها بسواس
ومما يناسب إنشاد المأمون البيت المذكور وجواب ابن أكثم بالبيت المقحم له، ما يحكى أن معاوية بن أبي سفيان لما اشتد مرض موته، وحصل اليأس منه، دخل عليه بعض ذرية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يعوده فوجده قد استند جالساً متجلداً، ثم ضعف عن القعود، فاضطجع وأنشد:
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
فأنشد العلوي عند ذلك:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... الفيت كل تميمة لا تنفع
فتعجب الحاضرون من جوابه. وهذان البيتان من جملة قصيدة طويلة لأبي ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، يرثي بها بنيه، وكان قد هلك له خمس بنين في عام واحد بالطاعون في طريق مصر، وقيل في طريق إفريقية، وقيل في طريق المغرب، ثم هلك هو بعدهم.
ومما يناسب الجواب المذكور، ما يحكى أن بعض الشعراء وهو عبد الله بن إبراهيم المعروف بابن المؤدب القيرواني امتدح ثقة الدولة بقصيدة رجا فيها صلته فلم يصله بشيء يرضيه، وكان قد بلغ ثقة الدولة عنه شيء، فلم يزل يرسل الطلب بعد حتى ظفر به فقال له: ما الذي بلغني عنك. قال: المحال، أيد الله الأمير. فقال: من هو الذي يقول في شعره: " فالحر ممتحن بأولاد الزنا "؟ فقال: هو الذي يقول: " وعداوة الشعراء بئس المقتنى "، فتسمر ساعة، ثم أمر له بشيء، وأخرجه من المدينة كراهية أن تثور عليه نفسه فيعاقبه، بعد أن عفا عنه، فخرج منها. وهذا المستشهد به عجزا البيتين من شعر المتنبي في قصيدة مدح بها ابن عمار. وصدر الأول منهما:
وإنه المسير عليك في نصلة ... فالحر ممتحن بأولاد الزنا
وصدر الثاني:
ومكائد السفهاء واقعة بهم ... وعداوة الشعر بئس المقتنى
رجعنا إلى ذكر القاضي يحيى بن أكثم ولما توتجه المأمون إلى مصر في سنة