قال: الأصمعي: كنت مع الرشيد في بعض أسفاره، فعطش، وقد تقدمته حمولة الثلج، فأتي بماء من ماء الرحل، فلما صار في فمه، مجه فقال له أبو البختري: يا أمير المؤمنين إني كنت ألتمس موضعاً لوعظك، فلا أقدر عليه، وقد وجدته، أفتأذن يا أمير المؤمنين. قال: نعم، قال: يا أمير المؤمنين، لو أكلت الطيب والخبيث وشربت الحار والقار، ولبست اللين والخشن، لكان أصلح لك، فإنك لا تدري ما يكون من صروف الزمان، قال: فانتفخ في ثوبه حتى خلته سمعت أرغته، ثم سكن فقال: يا أبا البختري، تلبس هذه النعمة ما لبسنا؟ فإذا أعوذ بالله زالت عنا رجعنا إلى عود غير حوار.
وسأل الرشيد يوماً أهل مجلسه عن صدر هذا البيت:
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه، فلم يعرفه أحد، فقال إسحاق الموصلي: الأصمعي عليل، وأنا أمضي إليه وأسأله عنه، فقال الرشيد، احملوا إليه ألف دينار لنفقته، قال: فجاءت رقعة الأصمعي، وفيها أنشد في خلق الأحمر لأبي نسناس النهشلي.
وسائلته أين الرحيل وساءل ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه؟
ودوابه يخشى بها الري سرت ... بأبي النسناس فيها ركائبه
ليدرك ناراً أو ليكسب مغنماً ... جزيلاً وهذا الدهر جم عجائبه
وذكر القصيدة كلها، وقال الأصمعي: بينما أنا مع الرشيد بمكة، إذ عارضه العمري فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام غليظ، احتمله لله عز وجل، فقال: أفعل، فو الله لقد بعث الله تعالى من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال: فقولا له ليناً.
قلت: ومما يناسب هذا الكلام ما شاع في بلاد اليمن بين العلماء والعوام، إن الإمام الكبير الولي الشهير إمام الفريقين وموضع الطريقين محمد بن إسماعيل الحضرمي، قدس الله روحه، كتب إلى الملك المظفر صاحب اليمن في سقيفة خزف: يا يوسف، فكتب المد يعاتبه ويقول: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني.
وفي رواية: دع أنك موسى، ولست بموسى، وأني فرعون ولست بفرعون، وقد قال الله تز وحل: " فقولا له قولا ليناً " " طه: 44، " أما تكتب إلي في ورقة بفلس؟ قلت: وقدم ذكر وعظ العمري لهارون في ترجمته.
وقال الأصمعي: كنت عند الرشيد بالرقة، فبعث إلي فقمت وأنا وجل،. فدخلت هو جالس على بسط، وإذا كرسي خيزران إلى جانبه وجويرية خماسية جالسة على ذلك