إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب الناسا ... فصور هاهنا فوراً صور ثم عباسا
ودع بينهما شبراً، فإن زدت فلا بأسا ... وإن لم يدنوا حتى ترى رأسيهما رأسا
فكذبها وكذبه بما قاست وما قاسا
قال: فلما خرج قال الأصمعي: يا أمير المؤمنين؟ مسروق من العرب والعجم، فقال لي: ما كان من العرب. فقلت: رجل يقال له عمر، هوى جارية يقال لها قمراء:
إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب السرا ... فصور هاهنا قمراً وصورها هنا عمرا
فإن لم يدنوا حتى ترى بشريهما بشراً ... فكذبها بما ذكرت، وكذبه بما ذكرا
وقال: فما كان من العجم؟ قلت: رجل يقال له فلق " بسكون اللام بين الفاء المفتوحة والقاف " هوى جارية يقال لها روف، فقال:
إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب الخلقا ... فصور هاهنا روفا وصورها هنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى ترى خلقيهما خلقا ... فكذبها بما لقيت وكذبه بما يلقى
قال: فبينا نحن كذلك إذ دخل الحاجب، فقال: عباس بالباب، فقال: ائذن له فدخلت فقال: يا عباس تسرق معاني الشعر، وتدعيه؟ فقال: ما سبقني إليه أحد، فقال هذا الأصمعي يحكيه عن العرب والعجم، ثم قال: يا غلام ادفع الجائزة إلى الأصمعي قال: فلما خرجنا قال العباس: كذبتني وأبطلت جائزتي، فقلت: أتذكر يوم كذا، ثم أنشأت أقول:
إذا ودندت امرؤاً فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنها.
قلت: وقد خطر لي حال إملائي على الكاتب أن أردف هذا البيت بيتين مما يناسب فقلت:
ومن من الخير لم يغرس بخيل علا ... لم يجتن من حسن الدنى رطبا
ومن بدنياه لم يتعب بطاعته ... فداركم يلقى لها تعبا
وقال الأصمعي: قال هارون الرشيد ليلة وهو يسير في قبة: يا أصمعي، حدثني، قلت: يا أمير المؤمنين، إن مزرد بن مرار كان شاعراً مليحاً ظريفاً، وإن أمه كانت تبخل عليه بزادها، وإنها غابت عن بيتها يوماً، فوثب مزرد على ما في بيتها فأكله وقال:
ولما غدت أمي تزوز بناتها ... أغرت على العلم الذي كان يمنع
خلطت بصاعي عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتردع