ومن كلام الفضيل: اذا أحب الله تعالى عبداً أكثر غمه، وإذا أبغض الله عبداً وسع عليه دنياه، وقال: لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي لأحاسب عليها، لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن يصيب ثوبه، وقال ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، وقال لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الامام أمن البلاد والعباد. وقال أبو علي الرازي: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكاً ولا متبسماً الا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك: فقال: ان الله تعالى أحب أمراً فأحببت ذلك الأمر، وكان ولده المذكور شاباً محبباً من كبار الصالحين. وقيل للفضيل: ان ابنك علياً يقول: وددت أني في مكان أرى الناس من حيث لا يروني، فبكى وقال: يا ويح علي، ليته أتمها فقال: لا أراهم ولا يروني. وكان ابن المبارك يقول: اذا مات الفضيل ارتفع الحزن من الدنيا، وهو معدود من الجماعة الذين شغفتهم محبة الله. ومناقب الفضيل كثيرة مشهورة، وسيرته بين الخلق جميلة مشكورة، ومولده بسمرقند، وقيل بغيرها من بلاد العجم وقدم الكوفة، وسمع الحديث بها، ثم انتقل إلى مكة فجاور بها إلى أن مات، وقبره فيها مزور مشهور. قلت: والمشهور من كلام المشايخ في كتب السلوك أنه كان في أول أمره شاطراً يقطع الطريق، وكانت سبب توبته أنه عتق جارية فبينا هو يرتقي الجدار إليها سمع تالياً: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال " - الحديد: 16 - فقال: بلى يا رب قد آن، فرجع وأواه الليل إلى خربة، فاذا فيها رفقة، فقال بعضهم: نرتحل وقال بعضهم: حتى نصبح فان فضيلاً على الطريق يقطع علينا، فتاب الفضيل وأمنهم. وروي أنه قال للرشيد: يا حسن الوجه، انت الذي أمر هذه الأمة في يدك وعنقك
لقد تقلدت أمراً عظيماً، فبكى الرشيد ثم أعطى كل واحد من الأولياء والعلماء الحاضرين بدرة، فكل قبلها إلا الفضيل، فقال له الرشيد: يا أبا علي، ان لم تستحل أخذها فأعطها ذا دين، او أشبع بها جائعاً، او إكس بها عارياً، فاستعفاه منها: قال الراوي وهو سفيان بن عيينة: فلما خرجنا قلت له: يا أبا علي أخطأت أن لا أخذتها وصرفتها في أبواب البر، فأخذ بلحيتي ثم قال، يا أبا محمد، انت فقيه البلد والمنظور إليه، وتغلط مثل هذا الغلط، لو