على المعروف والدنيا جميعاً ... لدولة آل برمك السلام
فلم أر قط قبلك يا ابن يحيى ... حساماً فله السيف الحسام
وأما والله لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام
وقال أيضاً يرثيه وأخاه الفضل.
ألا ان سيفاً برمكياً مهندا ... أصيب بسيف هاشمي مهند
فقل للمطايا بعد فضل تعطلي ... وقل للرزايا كل يوم تجددي
وقال آخر:
ولما رأيت السيف صبح جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا وأيقنت إنما ... قصارى الفتى فيها مفارقة الدنيا
وغير ذلك مما رثوه من الأشعار مما يخرج عن حيز الاختصار إلى حيز الإكثار مع أن ترجمة جعفر، من أطال الكلام فيها فقد قصر. قال بعض المؤرخين ومن أعجب ما يؤرخ من تقلبات الدنيا بأهلها ما حكى بعضهم قال: دخلت على والدتي في يوم عيد الأضحى وعندها امرأة في ثياب رثة، فقالت لي والدتي أتعرف هذه؟ قلت: لا قالت لي: هذه أم جعفر البرمكي، فأقبلت عليها وتحادثنا زمانأ ثم قلت يا أمه، ما أعجب ما رأيت؟ فقالت: لقد أتى علي يا بني عيد مثل هذا وعلى رأسي أربع مائة وصيفة، واني لأعد ابني عاقاً لي، ولقد أتى علي يا بني هذا العيد وما منازي إلا جلدا شاتين، افترش أحدهما وألتحف بالآخر، قال: فدفعت لها خمس مائة درهم، وكادت تموت فرحاً بها، سبحان مقلب الدهور ومدبر الأمور. وفي السنة المذكورة توفي السيد الجليل الولي الخليل الإمام أبو علي المعروف بالفضيل أحد الأعلام الذين يقتدي بهم الأنام، قال ابن المبارك: ما على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض، قالوا: وكان قد قدم الكوفة شاباً، فحمل عن منصور وطبقته، وقال القاضي شريك الفضيل حجة لأهل زمانه. ويحكى أن الرشيد قال للفضيل يوماً: ما أزهدك؟ فقال: الفضيل: انت أزهد مني فقال: وكيف ذلك؟ فقال لأني أزهد في الدنيا، وأنت تزهد في الآخرة، والدنيا فاتنة، والآخرة باقية، قلت: وللفضيل مع هارون حكاية عجيبة ذكرتها في غيرهذا الكتاب.