طابت لأولئك لطابت لي. وفي السنة المذكورة توفي يعقوب بن داود السلمي، كان كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، الذي خرج هو وأخوه علي أبي جعفر المنصور بالبصرة ونواحيها، وقتلا في سنة خمس وأربعين ومائة، وقصتهما مشهورة، وقد تقدم ذكرهما هنالك، وكان قد نشأ يعقوب المذكور في صنوف من العلوم، ولما ظهر المنصور على إبراهيم بن عبد الله المذكور، ظفر بيعقوب المذكور فحبسه في المطبق، وكان يعقوب سمحاً جواداً كثر البر والصدقة واصطناع المعروف مقصوداً ممدوحاً، مدحه أعيان شعراء عصره، فلما مات المنصور وقام بالأمر ولده المهدي، جعل يتقرب إليه حتى أدناه، واعتمد عليه وعلت منزلته عنده وعظم شأنه حتى خرج كتابه إلى الدواوين: ان أمير المؤمنين قد آخى يعقوب بن داود، فقال في ذلك سالم بن عمرو:
قل للإمام الذي جاءت خلافته ... يهدى إليه بحق يخر مردود
نعم القرين على التقوى أعنت به ... أخوك في الله يعقوب بن داود
فلم يكن ينفذ شيء من الكتب للمهدي حتى يرد كتاب من يعقوب، الى أن تكلم فيه الواشون والعذال، واكثر فيه الأعداء المقال، وذكروا خروجه على المنصور مع إبراهيم بن عبد الله، فوجد المهدي عليه، فأراد أن يمتحنه في ميله إلى العلوية، فقال له: هذا البستان، وأشار إلى بستان فيه صنوف من الأشجار، وهذه الجارية، وأشار إلى جارية عنده، لك وأمرت لك بمائة ألف درهم، ولي إليك حاجة أحب أن تضمن لي بقضائها. فقال: السمع والطاعة، فقال: والله؟ قال: والله ئلاث مرات. فقال له: ضع يدك على رأسي واحلف به، ففعل ذلك، فلما استوثقه قال له: هذا فلان ابن فلان رجل من العلوية أحب أن تكفيني مؤنته، وتريحني منه، يعني نقتله، فأمره بتحويل الجارية وما في المجلس من الأثاث والمال المذكور، فاشتد سروره بالجارية، وجعل فلان العلوي عنده في مجلس، فقال له العلوي ويحك يا يعقوب، تلقى الله بدم رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له يعقوب: خذ هذا المال، وخذ أي طريق شئت، فقال: طريق كذا آمن لي، فقال: امض مصاحباً بالسلامة، او كما قال، فسمعت الجارية الكلام كله، ووجهت مع بعض خدمها إلى الخليفة تعلمه بذلك، وقالت: هذا جزاء من آثرته بي على نفسك، فوجه المهدي في تلك الطريق من لحق العلوي، فرده إليه ومعه المال، وجعله في مجلس، ووجه إلى يعقوب، فلما حضر قال له: ما فعل الرجل؟ قال أراح الله منه أمير المؤمنين، قال: مات؟ قال: نعم، فحلفه على ذلك. فحلف وأقسم برأسه، فقال: يا غلام آخرء إلينا من في