من ذلك، قد أمرني أمير المؤمنين كذا وكذا، فأقبل جعفر يقبل قدمي ياسر قال: دعني أدخل وأوصي، قال: لا سبيل إليه أوص بما شئت، فقال: لي عليك حق ولا تقدر على مكافاتي إلا الساعة، قال: تجدني سريعاً إلا في ما يخالف أمير المؤمنين، قال: فارجع وأعلمه بقتلي، فإن ندم كانت حياتي على يدك وإلا أنفذت أمره في، قال: لا أقدر، قال: فأسير معك إلى مضربه وأسمع كلامه ومراجعتك، فإن أصر فعلت، قال: اما هذا فنعم. ثم انه صار إلى مضرب الرشيد، فلما جمع حسه قال له: ما وراءك؟ فذكر له قول جعفر فيه، وقال: والله لئن راجعتني لأقدمنك قبله، فرجع فقتله وجاء برأسه، فلما وضعه بين يديه أقبل عليه ملياً ثم قال: يا ياسر جئني فلان وفلان، فلما أتى بهما قال لهما: اضربا عنق ياسر، فلا أقدر أن أرى قاتل جعفر، وقيل الذي هجم عليه مسرور الخادم بإرسال الرشيد له، وبعد ضرب عنقه صلب على الجسر ببغداد. وحكي أن جعفر آخر أيامهم أراد الركوب، فدعا بالاصطرلاب ليختار وقتاً وهو في داره على دجله، فمر رجل في سفينة وهو لا يرى جعفر ولا يدري ما يصنع، وهوينشد هذا البيت:
مريد بالنجوم وليس تدري ... ورب النجم يفعل ما يريد
فضرب بالاصطرلاب الأرض وركب. وحكي أنه رأى على باب قصر علي بن ماهان بخراسان صبيحة الليل التي قتل فيها جعفر كتاباً بقلم جليل فيه هذان البيتان.
إن المساكين بني برمك ... صتت عليهم غيرالدهر
إن لنا في أمرهم عبرة ... فليعتبر ساكن ذا القصر
ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر وما نزل بالبرامكة، حول وجهه إلى القبلة، وقال: اللهم إنه كان قد كفاني مؤنة الدنيا فاكفه مؤنة الآخرة، فلما قتل جعفر أكثر الشعراء في ورثائه ورثاء آله فقال الرقاشي:
هدى الخالون من شجوي فناموا ... وعيني لا يلائمها منام
وما سهرت لأني مستهام ... إذا سهر المحب المستهام
ولكن الحوادث أرقتني ... فلي سهر إذا هجع الأنام
أصبت بسادة كانوا نجوماً ... بهم نسقي إذا انقطع الغمام
ولم يزل يقول إلى أن قال: