فقل لبني المعروف هذا جزاء من ... يجود لمعروف إلى غير شاكر
فقال أصل ذلك أنه خرج فتيان من العرب إلى الصيد، فأثاروا ضبعاً، فانقلبت من أيديهم ودخلت خباء بعض الأعراب، فخرج إليهم فقال: والله لا تصلون إليها قد استجارت بي فخلوها، فلما انصرفوا عمد إلى خبز ولبن وسمن فثرده وقربه إليها، فأكلت حتى شبعت، وتمددت في جانب الخباء، فغلب الأعرابي النوم، فلما استثقل وثبت عليه فقرضت حلقه وبقرت بطنه وأكلت حشوته وخرجت تسعى، فجاء أخو الأعرابي فلما نظر إليه أنشأه يقول الأبيات المذكورات. وفيها وقيل في التي قبلها توفي مروان بن أبي حفصة الشاعر المشهور من أهل اليمامة قدم بغداد، ومدح المهدي وهارون الرشيد، وهو من الشعراء المجيدين والفحول المقدمين. حكي أنه لما أنشد المهدي قصيدته التي يقول فيها:
إليك قسمنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا ... إليك ولكن أهنأ الخيرعاجله
قال له المهدي: بحثت أنت كم في قصيدتك هذه من بيت؟ قال: سبعون بيتأ، قال: فلك سبعون ألف درهم، لا يتم إنشادك حتى يحضر المال، فأحضر المال وأنشد القصيدة وقبضه وانصرف. وذكره ابن المعتز في كتاب طبقات الشعراء فقال في حقه: وأجود ما قال مروان قصيدته الغراء اللامية، وهي التي فضل بها على شعراء زمانه، يمدح فيها معن بن زائدة الشيباني، ويقال إنه أخذ منه عليها مالاً كثيراً لا يقدر قدره، ولم ينل أحد من الشعراء الماضين ما ناله مروان بشعره، فما ناله صرة واحدة ثلاث مائة ألف درهم من بعض الخلفاء بسبب بيت واحد، انتهى كلام ابن المعتز، وقصيدته اللامية المذكورة تتناهى بستين بيتاً، ومن أبياتها:
بنو مطريوم اللقاء كأنهم ... أسود لهم في بطن خفان أشبل
هم يمنعون الجبار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل
بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن ... كأولهم في الجاهلية أول
هم القوم إن قالوا أصابوا وان دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وله في مدائح معن المذكور ومراثيه كل معنى بديع، وبعض ذلك مذكور في ترجمة