ومحمد بن إسماعيل البخاري وهارون بن يزيد وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم، ينبو السمع عنها، فتركت ذكرها، والله أعلم بحالة، وأخباره كثيرة، عاش قريباً من سبعين سنة رحمة الله عليه. وفيها وقيل في التي قبلها، وقيل في التي بعدها، توفي يونس بن حبيب النحوي، كان مولى، قيل عاش مائة سنة وسنتين، وأخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وحماد بن أبي سلمة، وكان النحو أغلب عليه، وسمع من العرب، وروى سيبويه عنه كثير أو سمع منه الكسائي والفراء وكان من الطبقة الخامسة في الأدب. قال أبو عبيد معمربن المثنى: اختلفت إلى يونس أربعين سنة، قال أبو زيد: جلست إلى يونس بن حبيب عشر سنين، وجلس إليه خلف الأحمر عشرين سنة، وله عدة تصانيف. وقال يونس: والعرب تقول فرقة الأحباب سقم الألباب وأنشد:
ثنتان لوبكت الدماءعليهما ... عيناي حتى تؤذنا بذهاب
لم تبلغا المعشار من حقيهما ... شرخ الشباب وفرقة الأحباب
وقال أبو عبيد: قدم جعفر بن سلمان العباسي من عند المهدي الخليفة، فبعث الى يونس بن حبيب، فقال: اني وأمير المؤمنين اختلفنا في هذا البيت.
والشيب ينهض في السواد كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار
فما الليل والنهار؟ فقال: اليل الذي لا يعرف، والنهار الذي يعرف. وحكي عنه أنه قال: اصل المثل في قولهم الصيد كل الصيد في جوف القرى أنه خرج رجال يتصيدون، فاصطاد رجل منهم حمار وحش، واصطاد الآخرون ما بين ضب وأرنب، واجتمعت نساؤهم، فجعلت المرأة تقول اصطاد زوجي كذا فيقول صاحبة الحمار: كل الصيد في جوف الفرى.
سئل يونس المذكور عن مجير أم عامر في قول القائل:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أعد لها لما استجارت ببيته ... قراها من ألبان اللقاح البهازر
فأشبعها حتى إذا ما تيظرت ... فرته بأنياب لها وأظافر