معن، في سنة احدى وخمسين ومائة.
وحكى ابن المعتز أيضاً عن شراحيل بن معن بن زائدة أنه حج يحيى بن خالد البرمكي هو والقاضي أبو يوسف الحنفي متعادلين، فعرض رجل من بني أسد ليحيى بن خالد، فأنشده شعراً، فقال له يحيى: يا أخا بني أسد، اذا قلت الشعر فقل كقول الذي يقول، فأنشد أبيات مروان اللامية في معن بن زائدة، فقال له أبو يوسف وقد أعجبته جداً: من قائل هذه الأبيات يا أبا الفضل؟ فقال يحيى: قالها مروان يمتدح بها أبا هذا الفتى، قال شراحيل: وأشار إلي وأنا على فرس أسير تحت قبة هما فيها، فرمقني أبو يوسف بعينيه، وقال: من أنت يا فتى؟ حياك الله قلت: انا شراحيل بن معن بن زائدة الشيباني، قال شراحيل؟ فو الله ما أنت علي قط ساعة كانت أقر بعيني من تلك الساعة ارتياحأ وسروراً. ويحكى أن ولداً لمروان بن أبي حفصة المذكور دخل على شراحيل المذكور فأنشده:
أيا شراحيل بن معن زائدة ... يا أكرم الناس من عجم ومن عرب
أعطى أبوك أبي مالاً فعاش به ... فأعطني مثل ما أعطى أبوك أبي
ما حل أرضاً أبي ثاو أبوك بها ... إلا وأعطاه قنطاراً من الذهب
قلت هكذا صواب هذا البيت، وإن كان بعض ألفاظه يخل وزنه، في الأصل المنقول منه: فأعطاه شراحيل قنطاراً من الذهب. ومما يقارب هذه الحكاية، ما روي: انه لما حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة الشاعر المشهور لبذاءة لسانه وكثرة هجوه الناس، كتب إليه الحطيئة.
ماذا تقول لأفراخ بني مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فارحم هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النهي البشر
ما آثروك بها إذا ما قدموك لها ... لكن لأنفسهم قد كانت الأثر
فأطلقه وشرط عليه أن يكف لسانه عن الناس، فقال له: يا أمير المؤمنين، اكتب لي كتاباً إلى علقمة بن علاثة لأقصده به، فقد منعتني التكسب بشعري، فامتنع عمر من ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما عليك من ذلك، فعلقمة ليس هو من عمالك، وقد تشفع بك إليه، فكتب له بما أراد فمضى الحطيئة بالكتاب، فصادف علقمة قد مات والناس منصرفون عن قبره وابنه حاضر، فوقف عليه ثم أنشد:
لعمري لنعم من آل جعفر ... يجوز إن أمسى علقته الحبائل