قال هو أول من نشرعلم أبي حنيفة في أقطار الأرض، وقال أبو يوسف: سألني الأعمش عن مسألة فأجبته فيها، فقال لي: من أين لك هذا؟ فقلت: من حديثك الذي حدثتنا به أنت، ثم ذكر له الحديث، فقال لي: يا يعقوب إني لأحفظ من هذا الحديث قبل أن يجتمع أبواك، وما عرفت تأويله إلا الآن. وذكر بعضهم أنه كان يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب، وكان أول علومه الفقه، ولم يكن في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف، رحمه الله. وقال حماد بن أبي حنيفة: رأيت أبا حنيفة يوماً، وعن يمينه أبو يوسف، وعن يساره زفر، وهما يتجادلان في مسألة، فلا يقول أبو يوسف قولاً إلا أفسده زفر، ولا يقول زفر شيئاً إلا أفسده أبو يوسف، الى وقت الظهر. فلما أذن المؤذن رفع أبو حنيفة يده، فضرب بها فخذ زفر، وقال: لا تطمع في رئاسة ببلدة فيها أبو يوسف، وقضى لأبي يوسف على زفر. وقيل كان يجلس إلى أبي يوسف رجل يطيل الصمت، فقال أبو يوسف ألا تتكلم؟ فقال بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: اذا غابت الشمس، فقال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف، وقال أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك، ثم تمثل وأنشد:
عجبت لإرزاء الغبي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للغبي وانما ... صحيفة لب الأمر أن يتكلما
ومن كلام أبي يوسف: صحبة من لا يخشى العار عار يوم القيامة. وقيل كان يقول أبو يوسف: العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وأنت إذا أعطيته كلك كنت من أعطاه البعض على غرر. وقال بشر بن الوليد الكندي: قال لي القاضي أبو يوسف بينما أنا البارحة قد أويت إلى فراشي، وإذا داق يدق الباب دقاً شديداً، فأخذت علي إزاري وخرجت فإذا رسول الرشيد. فقال أجب أمير المؤمنين، فقلت: يا فلان هذا وقت كما ترى، ولست آمن أن يكون أمير المؤمنين قد دعاني لأمر من الأمور، فإن أمكنك أن تدفع ذلك إلى غد، فلعله يحدث له رأي، فقال ما إلى ذلك سبيل قلت: كيف كان السبب؟ قال: خرج إلي مسرور الخادم، فأمرني أن آتي بك أمير المؤمنين، فقلت: تأذن لي أن أصب علي ماء؟ وأتحفظ، فإن كان لأمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني، لهان رزق الله العافية فلن يضرني، فأذن، فدخلت