ثلاثا وستين سنة، قال ابن المديني: انتهى العلم في زمانه إليه ما كان بالكوفة بعد الثوري أثبت منه. وفيها توفي الحافظ اللبيب يزيد بن زريع، قال يحيى القطان: ما كان هنا أثبت منه، وقال أحمد بن حنبل: كان ريحانة بالبصرة، وقال نصر بن علي الجهضمي: رأيته في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: دخلت الجنة. قلت: بماذا؟ قال: بكثرة الصلاة. وفيها توفي أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة، وهو أول من دعي بذلك، تفقه على الإمام أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السائب وطبقته. قال يحيى بن معين: كان القاضي أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة. وقال يحيى بن يحيى الذيسابوري: سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة، سمع جماعة من كبار الأئمة، وجالس محمد بن أبي ليلى، ثم جالس أبا حنيفة، وكان الغالب عليه مذهبه، وخالفه في مواضع كثيرة، وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني الحنفي والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وآخرون. وكان قد تولى القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي وابنه الهادي والرشيد، وكان الرشيد يكرمه ويجله، وكان عنده حظياً مكيناً، وسأله الرشيد يوماً عن إمام شاهد رجلاً يزني، هل يحده؟ قال أبو يوسف، فقلت: لا. فحين قلتها سجد الرشيد، فوقع لي أنه قد رأى بعض أهله على ذلك، ثم قال لي: من أين قلت هذا؟ قلت: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ادرؤوا الحدود بالشبهات " وهذه شبهة فسقط الحد معها، فقال: وأي شبهة في المعاينة؟ قلت ليس يوجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى، والحدود لا تكون بالعلم، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه، فسجد مرة آخرى، وأمر لي بمال جزيل وأن ألزم الدار، فما خرجت حتى جاءتني هدية ممن شوهد منه ذلك، وهدية من أمه وجماعته، وصار ذلك أصلاً للنعمة، ولزمت الدار، فصار هذا يستفتيني وهذا يشاورني، ولم يزل حالي يقوى حتى قلدني القضاء. قال ابن خلكان وهذا يخالف ما نقلوا: انه ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء والله أعلم، انتهى كلام ابن خلكان. قلت وقول أبي يوسف وليس لأحد أخذ حقه بعلمه غير مسلم، بل إذا كان له حق على أحد، ولم يكن له من يشهد بذلك، وظفر بماله فله أن يأخذ قدر حقه، ولو قال وليس للقاضي أن يقضي في حدود الله بعلمه، كان صواباً.