مقبولة، ثم غرم القاضي المبلغ من عنده، واطلق اليهودي، وما امكنه أن يرد شهادتهما خوفاً من لسانه، فجمع بين المصلحتين بتحمل الغرم من ماله، وكان القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقيل عبد الله بن شبرمة. وفي كتاب أخبار البصرة أن أبا دلامة كتب إلى سعيد بن دعلج، وكان يومئذ يتولى الأحداث بالبصرة، وأرسل الكتاب من بغداد مع ابن عم له.

إذا جئت الأمير فقل سلام ... عليك ورحمة الله الرحيم

وأما بعد ذاك فلي غريم ... من الأعراب قبح من غريم

له ألف علي ونصف أخرى ... ونصف النصف في صك قديم

دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم

فسير له دعلج ما طلب: وكان روح بن حاتم المهلبي والياً على البصرة، فخرج إلى حرب الجيوش الخراسانية ومعه أبو دلامة، فخرج من صف العدو مبارزاً فخرج إليه جماعة، فقتلهم واحداً بعد واحد، فتقدم روح إلى أبي دلامة لمبارزته، فامتنع، فألزمه ذلك فاستعفاه، فلم يعفه، فأنشد:

إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فيخزي بي بنو أسد

إن المهاب حب الموت أورثكم ... ولم أورث قط حب الموت من أحد

إن الدنو إلى الأعداء أعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد

فاقسم عليه ليخرجن، وقال: لماذا تأخذ رزق السلطان؟ قال: لأقاتل عنه. قال: فما بالك الآن لا تبرز إلى العدو؟ فقال: ايها الأمير إن خرجت إليه لحقت بمن مضى، وما الشرط أن أقتل عن السلطان بل أقاتل عنه، فحلف روح ليخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك، فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال: ايها الأمير تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة ولا بد فيه من الزوادة، فأمر له بذلك فأخذ رغيفاً على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئاً من بقل، وشهر سيفه وحمل، وكان تحته فرس جواد فأقبل يجول ويلعب بالرمح وكان مليحاً في الميدان والفارس لا يلحظه، ويطلب منه غرة حتى إذا وجدها حمل عليه، والغبار كالليل فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل: لا تعجل، واسمع مني عافاك الله كلمات ألقيهن إليك، فإنما أتيتك في مهم، فوقف مقابله، وقال: ما هو المهم؟ قال أتعرفني؟ قال: لا. قال: انا أبو دلامة. قال: قد سمعت بك، حياك الله، فكيف برزت إلي وطمعت في بعد من قتلت من أصحابك ممن رأيت؟ قال: ما خرجت لأقتلك ولا أقاتلك ولكني رأيت لياقتك وشهامتك فاشتهيت أن تكون لي صديقاً، وإني لأدلك على ما هو أحسن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015