من قتالنا، قال: قل على بركة الله تعالى، قال: أراك قد تعبت وأنت سقيان ظمآن قال: كذلك هو، قال: فما علينا من خراسان والعراق. إن معي خبزاً ولحماً وشراباً وبقلاً كما يتمنى المتمني، وهذا غدير ماء تميز بالقرب منا، فهلم بنا إليه نصطبح، وأترنم إليك بشيء من إحدى الأعراب، فقال: هذا غاية أملي، قال: فها أنا انتظر ذلك فاتبعني حتى تخرج من حلقة النضال، ففعلا وروح يتطلب صاحبه. فلا يجده، والخراسانية تتطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة: ان روحاً كما علمت من أبناء الكرام، وحسبك يا بن المهلب جوداً، وأنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً وسيفاً محداً ورمحاً طويلاً وجارية بربرية، وأنه ينزلك في أكبر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك، فقال: ويحك وما أصنع بأهلي وعيالي، قال: استخر الله تعالى وأسرع معي ودع أهلك فالكل يخلف عليك، فقال سر بنا على بركة الله تعالى فسارا حتى قدما من وراء العسكر، فهجما على روح، فقال يا أبا دلامة، اين كنت؟ قال في حاجتك، اما قتل الرجل فما أطيقه، وأما سفك دمي فما طبت به نفساً وأما الرجوع خائباً فلم أقدم عليه، وقد تلطفت وأتيتك بالرجل أسير كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال: يمضي إذا وثق لي. قال بماذا؟ قال: ينقل أهله فقال الرجل: اهلي على بعد ولا يمكنني نقلهم الآن، ولكن أمدد يديك أصافحك وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك، فإن لم أف إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك نقلها، قال: صدقت، فحلف له وعاهده ووفى بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه، وانقلب الخراساني معهم يقاتل الخراسانية وينكأ فيهم أشد نكاية، وكان أكثر أسباب ظفر روح وكان المنصور قد أمر بهدم دور كثيرة منها دار أبي دلامة فكتب إلى المنصور:
يا ابن عم النبي دعوة شيخ ... قد دنا هدم داره وبواره
فهو كالماخض الذي اعتادها ... الطلق، وما تقر قراره
لكم الأرض كلها فأعيروا ... عبدكم ما أحتوى عليه جداره
وفي شعبان منها توفي الإمام العالم أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً وورعاً وزهداً وعمره ست وستون سنة. روى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب وخلق كثير. قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان. وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرهما: سفيان أمير المؤمنين فى الحديث، وقال أحمد بن حنبل لا يتقدم سفيان في قلبي أحد، وقال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت أحداً احفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء، وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني، وقال ورقاء لم ير الثوري مثل نفسه، وقال الشيخ أبو اسحاق في الطبقات: قال عبد الله بن المبارك: لا نعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان، قال: وقال علي بن