فيها توفي بالبصرة السيد الجليل الولي الكبير الفاضل الشهير ثابت البناني من سادات التابعين علماً وشغلاً وعبادة وزهداً، وفيها توفي سماك بن حرب الهذلي الكوفي أحد الكبار، قال أدركت ثمانين من الصحابة وذهب بصري فدعوت الله عز وجل فرده علي. وفيها توفي السيد الجليل الولي الحفيل محمد بن واسع الأزدي الملقب زين القراء ذو الفضائل المشهورة والسيرة المشكورة الذي قال فيه بعضهم: كنت إذا وجدت فترة أو قال قسوة نظرت في وجه محمد بن واسع فاعمل على ذلك جمعة وقال شهراً، والذي قال له مالك بن دينار: ما أحوج مثلي بمعلم مثلك لما نبهه على بعض دقائق الورع في قضية ذكرتها في غير هذا الكتاب.
فيها توفي في رمضان الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري أحد الفقهاء والمحدثين والأعلام التابعين، حفظ علم الفقهاء السبعة، ورأى عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك وخلائق، وروى عنه جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة. قال ابن المديني: له نحو الذي حديث، وكان قد حفظ علم الفقهاء السبعة، وقال عمر بن عبد العزيز: لم يبق اعلم بسنة ماضية من الزهري، وكذا قال مكحول. وقال الليث. قال ابن شهاب: ما استودعت قبي علماً فنسيته. وقال غيره: من أهل العلم كان معظماً وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك أعطاه مرة سبعة آلاف دينار. وقال عمرو بن دينار ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منه عند الزهري، كأنها عنده بمنزلة البعر، وكان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر، ولم يزل مع عبد الملك، ثم مع هشام بن عبد الملك، واستقضاه يزيد بن عبد الملك. وحضر يوماً مجلس هشام وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، فقال هشام: اي شهر كان يخرج العطاء فيه لأهل المدينة؟ فقال الزهري: لا أدري. فسأل أبا الزناد فقال: في المحرم. فقال هشام للزهري: يا أبا بكر هذا علم استفدته اليوم، فقال: مجلس المؤمنين