أهل أن يستفاد منه العلم وقيل له الزهري بضم الزاي نسبة إلى زهرة ين كلاب بن مرة: فخذ من أفخاذ قريش. ومنهم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبد الرحمن بن عوف كما تقدم وخلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
فيها توفي أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي خليفتهم، وكانت ولايته عشرين سنة إلا شهراً، وكانت داره عند الحوامر بدمشق، فعمل منها السلطان نور الدين مدرسة، وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال، عاش أربعاً وخمسين سنة، وكان أبيض جميلاً يخضب بالسواد. ومما يحكى عن هشام بن عبد الملك أنه خرج ذات يوم إلى الصيد، فنظر إلى ظبي فتبعه، فأحالته الكلاب إلى أن وصل به إلى صبي يرعى غنماً، فقال له: يا صبي دونك الظبي أيتني به. فقال له الصبي: فقدت الحياة لو نظرت إلي باستصغار وعاشرتني باحتقار وكلامك كلام جبار وفعلك فعل حمار. قال: يا غلام أو لم تعرفني قال بلى قد عرفني بك سوء أدبك إذ بدأتني بكلامك قبل سلامك. قال له: وأنا هشام بن عبد الملك. قال: لا قرب الله دارك ولا حيا قرارك. قال: فوألله ما استتم كلامه حتى أحدقت به الخيول والجيوش من كل جانب ومكان، كل له يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: اقصروا من السلام واحفظوا بالغلام، والحقوني به، قال: ثم ركب مغضباً إلى داره، فلما وصل إلى داره وركب على سرير ملكه أقبلت إليه الحرفاء والوزراء والأمراء والكتاب، كل يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا أمير المؤمنين، وذلك الصبي ساكت، قد أرسل ذقنه على صدره، وقرن عينيه وسكت عن الكلام وامتنع عن السلام. فقال له بعض الوزراء: يا كلب العرب ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين؟ قال: يا بردعة الحمار منعني من ذلك طول الطريق ونهر الدرجة. فقال له بعض الحرفاء: يا جحش العرب بلغ من فضولك أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة. فقال: رمتك الجندل ولامك الهبل أو ما سمعت قول الله عز وجل في كتابة المنزل على نبيه المرسل " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " - النحل: 111 - فإذا كان الله تعالى يجادل جدالاً، فمن هشام حتى لا يخاطب خطاباً فعند ذلك اغتاظ الملك من كلامه، وقال: علي برأس الغلام فقد أكثر الكلام، فوضع ذلك