ومن غرائب كرامات ابن الجعد المذكور أيضاً، وكرامات شيخه الشيخ سالم المتقدم ذكره أنه استأذنه في زيارة الكثيب الأبيض، وهو كثيب يزوره أهل تلك البلاد وما حولها من البلدان في كل سنة في وقت معلوم في رجب، وكان استئذان ابن الجعد لشيخه في زيارته في غير الوقت المذكور، فلم يأذن له، وقال: أخشى أن تسيء الأدب هنالك، ويقال في ذلك المكان قبور بعض الصالحين، فخالف أبي الجعد شيخه، ومشى إلى الكثيب المذكور، فبات عليه، ورأى بعض الصالحين فيه يصلي، فلم يكلمه حتى صلى الصبح، فصلى معه مقتدياً به، فلما سلما مكث كل واحد منهما في مكانه، ثم رنق ذلك الشيخ، فانتظره ابن الجعد للسلام عليه، حتى ارتفعت الشمس، فلم يرفع رأسه، وهو لا يرى إلا دلقه، فمد يده، وحرك الدلق، فلم يجد فيه أحداً فلبسه ونزل به إلى أسفل الكثيب راجعاً إلى مكان شيخه، فوجد ديناراً، ثم صار في أول كل يوم يجد ديناراً ينفق ذلك على الفقراء أين ما كان، فبقي على ذلك سنة، ثم قال له شيخه: سافر للحج ورد الوديعة إلى صاحبها يعني بها ذلك الدلق، وقال له: ما قلت لك أني أخاف عليك أن تسيء الأدب في زيارة الكثيب، فخرج إلى الحج، فلما كان يوم الوقوف بعرفة ظهر له صاحب الدلق، وقال: هات الأمانة مع بقاء أجر ما تجده كل يوم عليك إلى أن ترجع إلى بلادك، فلم يزل يجد كل يوم ديناراً ينفقه على الفقراء إلى أن رجع إلى بلاده.
ومن كرامات الحضرميين الآخرين أعني أبا عباد، وأبا معبد أن الأول منهما أعني أبا عباد رأى بعضهم نهراً يجري من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زاويته في بلاد حضرموت، وفسر ذلك بأنه مدد منه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ظاهر من حاله، فإنه ما زال من زمانه إلى الآن زاويته عامرة بتلاوة القرآن والإذكار والرزق عليهم من فضل الله تعالى مدراراً.
ومن كرامات الثاني أعني أبا معبد أنه كان ينزل في البرية، فيتفجر أنهاراً، فينتقل إليها الناس، ويغرسون فيها، ويزرعون، فإذا بهجت بالبساتين، واختلط أبناء الدنيا بالمساكين، وسارت بالخضرة والزينة زاهرة. انتقل إلى برية مجدبة دامرة، فإذا سكنها صار هو وأصحابه يسبحون الله تعالى ويذكرون، فانفجرت فيها بقدرة الله تعالى عز وجل العيون، ثم كذلك إذا صارت كما تقدم يهرب منها إلى محل المحل والعدم، وكانت الدنيا تطلبه، وهو يهرب منها، ثم استقر بعد حيث شاء الله تعالى، ولم يمل عنها.