من الخاص والعام، واشتهر اسمه، وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه في توبة العصاة، ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحد.
وقال غيره: نشأ في حجر عمه أبي النجيب عبد القاهر، وأخذ عنه التصوف، والوعظ وعلم الحديث، والفقه، وصحب أيضًا الشيخ عبد القادر، والشيخ أبا محمد بن عبد البصري كما تقدم، وسمع الحديث أيضًا من أبي زرعة وآخرين، وسماهم، وروى عنه جماعة ذكر منهم الحافظ ابن النجار وغيره، وبعث رسولاً إلى عدة جهات، يعني نفده الخليفة في عصره، ولم يخلف بعده مثله على ما نقل غير واحد.
قلت: ويؤيد ذلك ما ذكرت في مناقب الشيخ عبد القادر أنه قال له: أنت آخر المشهورين بالعراق، ففتح عليه بعلوم المعارف والأنوار الزاهرة، ووردت عليه الأحوال وحصلت له المواهب الوافرة، وفاق الأقران بعلو شأنه، وصار شيخ زمانه بلا منازع. قلت: وإليه يرجع بعض شيوخنا في لبس الخرقة، وبعضهم يرجع إلى الشيخ عبد القادر، وبيني وبينه اثنتان في كتابه العوارف كما تقدمت الاشارة في سند شيوخنا، وكذا في لبس الخرقة، ورأيته في المنام كأنه أعطاني سجادة في ليلة كنت فيها قريبًا من قبر سيدنا عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أسفل جبل أحد المبارك المعظم، وله كلام نفيس فاخر مسطور عنه في الدفاتر ذكرت شيئًا منه في الشاش المعلم، قدس الله روحه. وفيها توفي الشيخ الجليل غانم بن علي المقدسي النابلسي أحد عباد الله الأصفياء والسادة الأولياء.
وفيها توفي قاضي القضاة ابن شداد أبو العز يوسف بن رافع الأسدي، الحلبي الشافعي، قرأ القراءات والعربية، وسمع الحديث، وبرع في الفقه والعلوم ساد أهل زمانه، ونال رياسة الدين والدنيا، وصنف التصانيف منها كتاب سماه ملجأ الحكام عن التباس الأحكام، ومنها دلائل الأحكام، وكتاب الموجز الباهر في الفروع، وكتاب سيرة صلاح الدين، ودخل دمشق بعد رجوعه من الحج، فاستدعى به السلطان صلاح الدين وقابله بالإكرام التام، وسأله عن مشائخ العلم والعمل، وقر أعليه جزءاً من الإذكار، كان قد جمعه، ثم ولاه قضاء العسكر والحكم بالقدس الشريف، وعرض عليه الملك الظاهر الحكم بحلب، فامتنع، ثم قبل بعد ذلك.
قال ابن خلكان: كان بين والدي، رحمة الله عليه، وبين القاضي أبي المحاسن