لإصابة الحق والتحقيق، وقد ذكرت بعض عقيدته في كتاب المحاسن، والمرهم، وكان فقيهاً شافعي المذهب، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة، وتخرج عليه خلق كثير من الصوفية في المجاهدة والخلوة، ولم يكن في آخر عمره مثله، صحب عمه الشيخ الإمام أبا النجيب، وعنه أخذ التصوف والوعظ.
وذكر بعضهم أنه صحب أيضاً قطب الأولياء، وقدوة الأصفياء الشيخ عبد القادر الجبيلي رضي الله عنهما، ثم انحدر إلى البصرة إلى الشيخ أبي محمد بن عبد، ورأى غيره من الشيوخ، وحصل طرفًا صالحًا الفقه والخلاف، وقرأ الأدب، وعقد مجلس الوعظ سنين، وكان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، عليه قبول كثير وله نفس مبارك. وذكر بعضهم أنه أنشد يومًا على الكرسي.
لا تسقني وحدي فما عودتني ... أني أشح بها على جلاسي
أنت الكريم وهل يليق تكرمًا ... أن تمنع الندماء دون الكاس
فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كثير.
قال ابن خلكان: ورأيت جماعة ممن حضروا مجلسه وقعدوا في خلوته، وكانوا يحكون غرائب مما يطرأ عليهم فيها من الأحوال الخارقة، قال: وكان قد وصل إلى إربل رسولاً من جهة الديوان العزيز، وعقد بها مجلس الوعظ، ولم يتفق لي رؤيته لصغر السن. وكان كثير الحج، وكان أرباب الطريق من مشائخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم.
سمعت أن بعضهم كتب إليه يا سيدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيتهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب. وقال ابن نقطة: كان شيخ العراق في وقته صاحب مجاهدة وإيثار وطريقة حميدة، ومروة تامة، وأوراد على كبر سنه.
وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين، ودعا الخلق إلى الله تعالى، قرأ الفقه والخلاف والعربية، وسمع الحديث، ثم انقطع ولازم بيته، ودوام الصوم والذكر والعبادة إلى أن ظهر وعلا شأنه، وتكلم على الناس، وعقد مجلس الوعظ في مدرسة عمه على دجلة، فحضر عنده خلق عظيم، وظهر له قبول