ومنها يشكو الغربة، وما قاساه فيها:
أشكو إليك نوىً تمادى عمرها ... حتى حسبت اليوم منها أشهرا
إلا عيشتي يصفو ولا رسم الهوى ... يعفو، ولا جفني يصافحه الكري
أضحي عن الأخرى المرتع ممحلاً ... وأبيت عن ورد النمير منفرا
ومن العجائب أن يقبل ظلكم ... كل الورى، ونبذت وحدي بالعرا
قوله: النمير قال في ديوان الأدب: هو الماء الجاري الزاكي في الماشية عذبا كان أو غير عذب، وهو بفتح النون وكسر الميم وسكون المثناة من تحت في آخره راء.
قال ابن خلكان: هذه القصيدة من أحسن الشعر. قال: فهي عندي خير من قصيدة ابن عمار الأندلسي، وهي على وزنها التي أولها أدب الزجاجة، فالنسيم قد انبرى، فلما وقف عليها الملك الأعدل أذن في الدخول إلى دمشق، فلما دخلها، قال:
هجوت الأكابر في جلق ... ورعت الوضيع بسب الرفيع
أخرجت منها، ولكنني ... رجعت على رغم أنف الجميع
ويعني بجلق بكسر الجيم واللام وتشديدها وبعدها قاف اسم مكان في الشام، وربما قيل: إنه لقب لدمشق، والله أعلم، قال: وكان له في عمل الألغاز وحلها اليد الطولى، ولم يكن له غرض في جمع شعره وتدوينه، وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانًا صغيراً لا يبلغ عشر نظمه، وفيه أشياء ليست له، وكان من أطرف الناس، وله بيت عجيب من قصيدة يذكر بها أسفاره وتوجهه إلى جهة الشرق وهو:
أشقق قلب الشرق حتى كأنني ... أفتش عن سودائه عن سنا الفجر
قال: وقد رأيته في المنام ينشد أبياتا. وأعجبني منها بيت، فرددته في النوم واستيقظت، وقد علق بخاطري وهو:
البيت لا يحسن إنشاده ... إلا إذا أحسن من شاده
وهذا البيت غير موجود في شعره، وكان وافر الحرمة عند الملوك، وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم، وانفصل منها لما تملكها الملك الأشرف وأقام في بيته، ولم يباشر بعدها خدمة.
. وكانت ولادته بدمشق يوم الاثنين، ووفاته فيها يوم الاثنين، وعاش نحواً من ثمانين