سنة إحدى وثلاثين وست مائة

فيها سار الملك الكامل. بجيوش عظيمة ليأخذ الروم وقدم بين يديه جيشًا فهزمهم صاحب الروم، وأسر صاحب حماة، ومقدم الجيش صواب الخادم فرد الكامل. وفيها تسلطن بدر الدين لؤلؤ بالموصل.

وفيها تكامل بناء المستنصرية ببغداد على المذاهب الأربعة. قال بعضهم ولا نظير لها في الدنيا فيما أعلم قلت لو تمت بعد نيف وسبع مائة وستين مدرسة السلطان حسن ابن السلطان ملك الناصر محمد بن قلاوان في الديار المصرية ما كان مثلها من الدنيا لا المستنصرية، ولا غيرها، فيما شاع عن الجم الغفير، والعلم عند الله العليم الخبير.

وفيها توفي الإمام العلامة الفقيه الأصولي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الملقب سيف الدين الأسدي الثعلبي الحنبلي، ثم الشافعي صاحب التصانيف البديعة النازلة في المنزلة الرفيعة المفيدة النافعة الصادرة عن القريحة البارعة، كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي، وصحب الشيخ أبا القاسم بن فضلان، واشتغل عليه في الخلاف وتميز فيه، وحفظ طريقة الخلاف الشريف، وزوائد طريقة أسعد الميهني، ثم انتقل إلى الشام، واشتغل بفنون المعقول، وحفظ منه الكثير ومهر فيه، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم العقلية، ثم انتقل إلى الديار المصرية، وتولى الإعادة بالمدرسة المجاورة لضريح الإمام الشافعي في القرافة الصغرى، وتصدر الجامع الظافري بالقاهرة مدة، واشتهر بها فضله، واشتغل عليه الناس وانتفعوا به.

قال ابن خلكان: ثم حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصبوا عليه ونسبوه في العقيدة إلى الفساد، وانحلال الطوية، والتعطيل ومذهب الفلاسفة والحكماء، أولى الكفر والتضليل، وكتبوا محضرًا يتضمن ذلك، ووضعوا فيه خطوطهم بما يستباح به الدم، قال: وبلغني عن رجل منهم فيه عقل ومعرفة أنه لما رأى التحامل عليه وإفراط التعصب كتب في المحضر، وقد حمل إليه ليكتب فيه مثل ما كتبوا، فكتب:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله ... فالقوم أعداء له وخصوم

والله أعلم، وكتبه فلان ابن فلان، ولما رأى سيف الدين تعليهم عليه، وما اعتقدوه في حقه ترك البلاد وخرج منها مستخفيًا، وتوصل إلى الشام، واستوطن مدينة حماة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015