فعلام أبعدتم أخا ثقة ... لم يحترم ذنبًا ولا سرقا؟

أنفوا المؤذن من بلادكم ... إن كان ينفى كل من صدقا

وطاف بلاد من الشام والعراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان وغزنة وخوارزم وما وراء النهر، ثم دخل الهند واليمن وملكها يومئذ سيف الإسلام أخو صلاح الدين، وأقام بها مدة، ثم رجع إلى طريق الحجاز والديار المصرية، وعاد إلى دمشق، وكان يتردد منها إلى البلاد، ويعود إليها، قال: ولقد رأيته بمدينة إربل، وقد وصل إليها رسولاً عن الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك صاحب دمشق، وأقام بها قليلاً، ثم سافر وكتب من بلاد الهند إلى أخيه بدمشق هذين البيتين، والثاني منهما لأبي العلاء المعري، استعمله مضمنًا، وكان أحق به وهما:

سامحت كتبك في العطيفة عالمًا ... إن الصحيفة لم تجد من حامل

وعذرت طيفك في الخفاء لأنه ... يسري ويصبح دوننا بمراحل

قال ابن خلكان: لله دره، فما أحسن من وقع له هذا التضمين، ولما مات السلطان صلاح الدين وملك الملك العادل دمشق كان غائبًا منفيًا عنها، فسار متوجها إليها، وكتب إلى الملك قصيدة يصفه فيها ويستأذنه في الدخول، ويذكر ما قاساه في الغربة، وأحسن في كل الاحسان في المعاني اللطائف، واستعطفه أبلغ الاستعطاف أولها.

ماذا على طيف الأحبة لو سرى ... وعليهم لو ساعدوني بالكرى

ولما فرغ من وصفها قال مشيراً إلى نفيه منها:

فارقتها لاعن رضًا وهجرتها ... ل اعن قلىً، ورحلت لا متحيرًا

أسعى لرزق في البلاد مشتت ... ومن العجائب أن يكون مقترا

وأصون وجه مدائحي متقنعًا ... واكف ذيل مطامعي مقترا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015