يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيأون لقاءه، وما زال في عز وجلالة واستظهار وسعادة عاجلة، نسأل الله الكريم السعادة الآجلة.

وفي السنة المذكورة توفي الإمام الكبير الفاضل الشهير أبو الفضل أحمد ابن الإمام العلامة كمال الدين أبي الفتح موسى ابن الفقيه المفتي رضي الدين يونس الموصلي الشافعي.

قال ابن خلكان: كان كثير المحفوظات، عزيز المادة، حسن السمت، جميل المنظر شرح كتاب التنبيه في الفقه، واختصر إحياء علوم الدين للإمام الغزالي مختصرين: كبيراً وصغيرًا. قال: وكان يلقي في جميع دروسه من كتاب الإحياء دروسًا حفظًا، ونسج على منوال والده في اليقين في العلوم، تخرج عنه جماعة كثيرة. قال: وتولى التدريس بمدرسة الملك المعظم صاحب إربل بعد والده، وكان وصوله إلى هنالك من الموصل في أوائل شوال سنة عشر وست مائة، وكانت وفاة الوالد ليلة الاثنتين الثاني والعشرين من شعبان السنة المذكورة، قال: وقد كنت أحضر درسه وأنا صغير، وما سمعت أحداً يلقي الدرس مثله، ولم يزل على ذلك إلى أن حج، ثم عاد وأقام قليلاً، ثم انتقل إلى الموصل في سنة سبع عشرة وست مائة، وفوضت إليه المدرسة القاهرية، فأقام بها ملازم الاشتغال والإفادة، وقد كان من محاسن الوجود، وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني، وكان مبدأ شروعه في شرح التببيه بإربل،. وإستعار منا نسخة التنبيه عليها حواش مفيدة بخط بعض الأفاضل، ورأيته بعد ذلك، وقد نقل الحواشي كلها في شرحه.

وكان اشتغاله على أبيه بالموصل، ولم يتغرب لأجل الاشتغال بالعلم، وكان الفقهاء يتعجب منه كيف اشتغل في وطنه، وبين أهله، وفي عزه واشتغاله بالدنيا، وخرج منه ما خرج، قال: وهو من بيت العلم، وأطنب المدح في أبيه وعمه وجده، قال: ولو شرعت في وصف محاسنه لأطلت، وفي هذا القدر كفاية، وقال غيره: عاش أبوه بعده سبع عشرة سنة قلت: أما إطنابه في محاسنه، فالمحاسن لها وجوه متعددة، فأثنى عليه بما شاهده منه فيه، وأما مدحه لكتابة شرح التنبيه، فغير جدير بمدحه المذكور، فهو خال من التفضيل والتفريع والفوائد الموجودة في غيره كشرح الفقيه الإمام ابن الرفعة الذي هو جدير بالمدح الكامل لما تضمنه من الفوائد العقائل، وأما مدحه لإلقاء الدرس، وأنه ما سمع مثله ذ الإلقاء المذكور، فهو محتمل، ويكون ذلك. بحسن سياقه وتصوفه في المباحث وظرافته ومزجه بالاستعارات المستحسنة، والنوادر المستطرفة، وغير ذلك مما يطرب السامع والمدح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015