مقدمهم وقتل الباقون. وقال بعض الرواة: حكى لي من

أثق به أنه رأى بحوران شخصاً واحداً معه نيف وثلاثون أسيراً قد ربطهم بطنب خيمة لما وقع عليهم من الخذلان، ثم رحل السلطان إلى عكا فأخذها، واستنقذ من كان بها من أسرى المسلمين، فكانوا أكثر من أربعة آلاف، واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع، لأنها كانت مظنة التجارة، وتفرقت العساكر في بلاد الساحل فأخذوا الحصون والقلاع والأماكن المنيعة، فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصر. ولما استقرت قواعد عكا وقسمت أموالها صار يشن الغارة ويأخذ بلداً بعد بلد، فأخذ صيدا وعسقلان - والرملة والداروم والأماكن المحيطة بالقدس، ثم شمرعن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك، واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل، فسار نحوه معتمداً على الله مفوضاً أمره إليه، ومنتهزاً الفرصة في فتح باب الخير الذي حث الله على انتهازه على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - لقوله: " من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يعلم متى يغلق دونه ". وكان نزوله بالجانب الغربي، وكان مشحوناً بالمقاتلة من الخيالة والرجالة، وحزر أهل الخبرة من كان فيه من المقاتلة، فكانوا يزيدون على ستين ألفاً خارجاً عن النساء والصبيان، ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب، ونصب المجانيق، وضايق البلد بالزحف والقتال، حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم. ولما رأى أعداء الله ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم، وظهرت لهم أمارات الفتح وظهور المسلمين عليهم، وكانوا قد اشتد روعهم لما جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر، وعلى حصونهم من التخريب والهدم، وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه، فاستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان، وحصل الاتفاق عليه بالمراسله من الطائفتين، وكان تسلم المسلمين القدس المبارك في يوم الجمعة الميمون السابع والعشرين من رجب المعظم - وليلته كانت ليلة المعراج على المشهور من الأقوال -، وكان فتحه عظيماً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015