فأقطعه حمص والرحبة، وسلم السلطان صلاح الدين ولده الملك العزيز إلى الملك العادل، وجعله أتابكه. ثم كانت وقعة حطين المباركة على المسلمين في رابع شهر ربيع الآخر - سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة في يوم الجمعة، وكان كثيراً ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعة عند الصلاة تبركاً بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر، وسار حتى نزل على بحيرة الطبرية - على سفح الجبل - ينتظر قصد الفرنج له، فلم يتحركوا ولا خرجوا عن منازلهم، فلما رآهم لا يتحركون ترك جريده على طبرية، وترك الأطلاب على حالها قبالة العدو، ونازل طبرية وهجمها، فأخذها في ساعة واحدة، وانتهت الناس بابها، وأخذوا في النهب والقتل والسبي والحرق، وبقيت القلعة محمية بمن فيها. ولما بلغ العذو ما جرى على طبرية قلقوا لذلك، ورحلوا نحوها، وبلغ السلطان ذلك فترك على طبرية من يحاصرها، ولحق بالعسكر فالتقى العدو على سفح طبرية، وحال الليل بين العسكرين، فناما على مصافهما ليلة الجمعة إلى بكرة يومها، واستمرت نار الحرب، واشتد الأمر وضاق الخناق بالعدو، وهم سائرون كأنهم يساقون إلى الموت، وهم ينظرون قد أيقنوا بالويل والثبور، وأنهم في غدهم من زوار القبور، ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قرنه يضطرم، ولم يبق إلا الظفر ووقوع الوبال على من كفر، حتى حال بينهم الليل بظلامه، وبات كل واحد من الفريقين بمقامه إلى صبيحة يوم السبت، وتحقق المسلمون أن من ورائهم الأردن، ومن بين أيديهم بلاد العدو، وأنهم لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد، فحملوا بأجمعهم عليه وصاحوا صيحة رجل واحد، فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين. وأحاط المسلمون بالكافرين من كل جانب، وأطلقوا فيهم السهام، وحكموا فيهم السيوف القواضب، وأشعلوا حولهم النيران، وصدقوا فيهم الضرب والطعان، وضاق بهم الأمر حتى كادوا يستسلمون خوفاً من القتل، فأسر