شهده الأولياء والعلماء وخلق، وقصده أهل الخير من البلدان القريبة والبعيدة، وارتفعت الأصوات بالضجيج والدعاء والتهليل والتكبير، وصليت فيه الجمعة يوم فتحه، وتكسر الصليب التي كانت على قبة الصخرة، وكان شكلاً عظيماً، ونصر الله المسلمين على يدي صلاح الدين نصراً عزيزاً. وكان الفرنج قد استولوا عليه سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم السلطان صلاح الدين في التاريخ المذكور. وكانت قاعدة الصلح أنهم قطعوا على أنفسهم عن كل رجل عشرين ديناراً، وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية، وعن كل صغير ذكراً وأنثى ديناراً واحدا. فمن أحضر قطيعته نجى بنفسه وإلا أخذ أسيراً، وأخرج - عن كل من كان بالقدس من أسارى المسلمين، وكانوا خلقاً، وأقام به يجمع الأموال ويفرقها على الأمراء والرجال، ويحبوها الفقهاء والعلماء والزاهدين والوافدين عليه، وقد تقدم بإيصال من قام بقطيعته إلى مأمنه، وهي مدينة عظيمة، ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جيء له شيء، وكان يقارب مائتي ألف ألف دينار وعشرين ألفاً. ولما فتح القدس حسن عنده قصد صور، وعلم أنه إن أخر أمرها ربما عسر عليها. فسار نحوها حتى أتى عكا، فنزل عليها. ونظر في أمورها، ثم رحل عنها متوجهاً الى صور، فنزل قريباً منها، وأرسل بإحضار آلات القتال، فلما تكاملت عنده نزل عليها، وقاتلها وضايقها في البر والبحر، ثم أسروا من المسلمين المقدم الرئيس وخمس قطع من المسلمين، وقتلوا خلقاً كثيراً من رجال المسلمين، فعظم ذلك على السلطان وضاق صدره - وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمطار - وامتنع الناس من القتال لكثرة الامطار فجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بالرحيل ليستريح الرجال، ويتجمعوا للقتال. فرحلوا عنها وجمعوا من آلات الحصار ما أمكن وأحرقوا الباقي الذي عجزوا عن حمله. ثم خرج السلطان صلاح الدين وسار إلى بلاد العدو، ومعه عماد الدين صاحب سنجار، ومظفر الدين بن زين الدين، وعسكر الموصل قاصدين خدمته والغزاة معه، فسار نحو حصن الأكرا، ودخل بلاد العدو حتى وصل إلى طرطو، فوقف قبالتها ينظر إليها، والعساكر محدقة بها من البحر إلى البحر، وهي مدينة لها برجان كالقلعتين، فركبوا