الطريق، وأسروا منهم جماعة، منهم الفقيه عيسى الهكاري، وكان ذلك وهناً عظيماً جبرها الله تعالى بوقعة بعدها. ثم التمس الروم منه الصلح فصالحهم، وتوفي الملك الصالح بن نور الدين في السنة المذكورة - أعني سنة ثلاث وسبعين - وكان قد استحلف أمراء حلب وأجنادها لابن عمه عز الدين مسعود صاحب الموصل. فلما بلغ عز الدين المذكور موت الملك الصالح ووصيته له بحلب بادر إلى التوجه إليها خوفاً أن يسبقه صلاح الدين، فوصل إليها وصعد القلعة، واستولى على ما بها من الحواصل، وتزوج أم الملك الصالح، ثم قايض عز الدين أخاه عماد الدين صاحب سنجار، وخرج عز الدين عن حلب ودخلها عماد الدين، وجاء صلاح الدين وحاصره، ثم صالح عماد الدين صلاح الدين على أن ينزل له عن حلب ويعوضه عنها بسنجار والخابور ونصيبين وسروج، وحلف صلاح الدين على ذلك، وتسلم قلعة حلب، وجعل فيها ولده الملك الظاهر وكان صبياً. ثم سار صلاح الدين إلى أخيه الملك العادل - وهو بمصر يستدعيه ليجتمعوا على الكرك، فسار إليه بجمع كثير وجيش عظيم، واجتمعوا في شعبان سنة تسع وسبعين وخمس مائة. فلما بلغ الفرنج الخبر حشروا خلقاً كثيراً وجاؤوا إلى الكرك ليكونوا قبالة عسكر المسلمين، فخاف صلاح الدين على الديار المصرية، فسير إليها ابن أخيه تقي الدين، ورحل عن الكرك واستصحب أخاه الملك العادل معه، ودخل دمشق. وكان الملك الظاهر أحب أولاد أبيه إليه لما فيه من الخلال الحميدة. ولم يأخذ منه حلب إلا لمصلحة رآها في ذلك الوقت. ثم إن صلاح الدين رأى عود الملك العادل إلى مصر وعود الملك الظاهر إلى حلب أصلح - وكانت بيد أخيه - فأعطاها ابنه الملك الظاهر، ونزل صلاح الدين على الموصل وحاصرها ثلاث مرات، فلم يقدر على أخذها، وترددت الرسل بينه وبين صاحبها، ثم مرض صلاح الدين فسار إلى حران، فلحقته الرسل بالإجابة إلى ما طلب، وتم الصلح على أن يسلم إليه صاحب الموصل شهرزور وأعمالها وما وراء الفرات من الأعمال، وأن يخطب له على المنابر، وينقش اسمه على السكة. فلما حلفا أرسل صلاح الدين نوابه فتسلموا البلاد التي وقع الصلح عليها، وطال مرضه حتى أيسوا منه، فحلف الناس لأولاده - وكان عنده منهم الملك العزيز - وجاء أخوه العادل من حلب - وهو ملكها يومئذ - وجعله وصياً على الجميع، وأوصى لكل واحد منهم بشيء من البلاد، وكان عنده أيضاً ابن عمه ناصر الدين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015