إذا وردت صيغة الأمر خالية مما يدل على فور أو تراخ اقتضت فعل المأمور به فورا في أول زمن الإِمكان لقيام الأدلة على ذلك كقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وقوله: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} وقوله: {فاستبقوا الخيرات} وكمدحه المسارعين في قوله: {أولئك يسارعون في الخيرات} . ووجه دلالة هذه النصوص أن وضع الاستباق والمسابقة والمسارعة للفورية.
وكذم الله تعالى لإبليس على عدم المبادرة بالسجود بقوله تعالى: {ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك} أي في قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس} ، ولو لم يكن الأمر للفور لما استحق الذم ويدل لذلك من جهة اللغة: أن السيد لو أمر عبده فلم يمتثل فعاقبه فاعتذر العبد بأن الأمر على التراخي لم يكن عذره مقبولا عندهم.
وما استدل به القائلون بأنه على التراخي من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج إلى سنة عشر مدفوع بكون النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه أخره، لأغراض منها: كراهيته لمشاهدة ما كان المشركون يفعلونه في الحرم مما فيه مخالفة للشريعة، فلما أذن مؤذنوه في السنة التاسعة ببراءة الله ورسوله من المشركين ومنعهم من قربان الحرم وطهر الله مكة من أدران الشرك حج عليه الصلاة والسلام.
من يدخل في خطاب التكليف ومن لا يدخل
الناس على قسمين:
1- قسم لم يكتمل إدراكه، وذلك إما لعدم البلوغ كالصغير أو لفقدان العقل كالمجنون، أو لتغطيته كالسكران أو لذهوله كالساهي.
2- قسم مكتمل الإدراك، وهو البالغ العاقل السالم من العوارض المتقدمة فالقسم الأول لا يدخل في نطاق التكليف ولا يشمله الخطاب بدليل العقل والنقل.
أ- أما من جهة العقل فلأن الأمر يقتضي الامتثال ومن لم يدرك أمراً لا يتأتي منه امتثاله.
ب- وأما من جهة النقل فلحديث "رفع القلم عن ثلاثة" الحديث.