ولا زلت أعاني المشكلة نفسها: ماذا أصنع؟
كان طوق الاستعمار يزيد كل يوم في خنق جميع وجوه النشاط حتى أتفهها، ولا يحصل عليه من يطلبه إلا بتدخل ذي جاه في قلم المخابرات.
وأصبح صديقي (حشيشي مختار) يواجه هو الآخر صعوبات بعد سنوات جدب متكررة، وكان بحكم استقامته الفطرية، لا يحاول إيجاد مخرج له من شباك البركات الحكومية، غير أن الصدفة أعانته على إيجاد نشاط له في صفقات الحيل التي بدأت الجزائر تصدرها في تلك الفترة، لاستهلاك الجزارين الفرنسيين؛ فأعانه مادياً أحد تجار المدينة، لذلك أصبح صديقي يتردد بين الجرائر ومرسيليا بصفقاته، مستفيداً منها بقدر فائض ثمن البيع بنسبته من ثمن الشراء، ولكن ما طال الزمن حتى بدأ هذا القدر من الكسب يتقلص بسبب الجزارين الفرنسيين الذين خفضوا أكثر فأكثر تسعيرة الشراء، وبسبب شركات الملاحة التي رفعت تكاليف النقل، فما تغير مع ذلك صديقي ولا تلوثت مروءته في هذه الهزيمة العامة.
وبقي خاصة وفياً لصداقتي في جو يتجنبني فيه كل من له ولاء للاستعمار أو رجاء في بركاته ...
وإذا بصديقي يفاجئني عند عودته هذه المرة من مرسيليا:
- ياسي (الصدّيق) هيئ نفسك لتسافر معي في صفقتي المقبلة.
- كيف هذا ياسي (مختار)؟
ففسر لي الأمر بإيجاز:
- إن بعض الإخوان أسسوا بمرسيليا منذ بضعة أشهر، نادياً أطلقوا عليه