حتى إن بعض المصابين كان ذات يوم مع الجمهور التبسي، يستمع إلى خطباء يتكلمون بقاعة المهرجانات، فطلب الكلمة فلم تعط له فصرخ:

- إنني سأنفجر إن لم أتكلم! ..

فأراد بعض الحاضرين- وأعتقد أنه (حشيشي مختار) وربما معه (خالدي) - أن يتفادوا الانفجار فقالوا:

- أعطوه الكلمة! .. أعطوه! ..

قفز المريض على المنصة ومكنسة بيده، لا أدري أين وجدها وقال:

- يجب أن نكنس الاستعمار هكذا! ..

هذا كل ها قاله وهو يلوح بالمكنسة، ثم نزل مرتاحاً كمن تنفس بعد أن ضاق صدره؛ ولا يستطيع أحد تقدير ما تكبدنا من خسائر جوهرية منذ استولى علينا مرض الكلام، ومنذ أصبح المجتمع سفينة تائهة، بعد إخفاق المؤتمر.

كانت الأفكار قبل ذلك صافية، والنوايا خالصة صادقة، والقلوب رحيمة خيرة، فاستحال كل ذلك إلى الخلط والخبط والتباغض والانتهازية والثرثرة.

وأصبح كل فرد مهتماً بـ (معزوفته) الشخصية في العزف العام، ويسعى لمصلحته الخاصة باسم الإصلاح أو باسم الوطنية. وبدأت الخرافات التي طردت من الباب تعود من النافذة، وبدأ الجمهور الذي هجر الزوايا الطرقية، حتى أغلقت أبوابها، يعود إليها لتفتح أبوابها من جديد، وأصبحت أسمع من بيتي نقرات البندير بزاوية القادرية وزاوية العمارية، كل ليلة جمعة كما كنت أسمعها في شبابي، وكما كانت تسمعها في ليالي الزفاف مدام (دوننسان).

وعاد (باهي) ينقر البندير بمهارة العسكري الذي تمرن على الطنبور، فيجر وراءه جمهور المقهى إلى الزاوية القادرية وجمهور الزاوية إلى المقهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015