ولكن إلى أن يتحقق هذا الرجاء، ماذا أصنع؟

كنت أتعجب من عبث هذه الشبيبة التي تقضي يومها بمقهى (باهي) تخطب، أليس من الأجدى أن تتجند للقيام بأي أمر إيجابي حتى تتكون عندها روح الخدمة والتضحية؟

بدا لي أن لو تطوع بعض الشبان لتنظيف مقبرة المسلمين التي كانت بالقياس إلى المقابر الأخرى خاصة لمقبرة اليهود، في حالة إهمال يُرثى لها، كان الأموات مهملين فيها، مثل الأحياء في الشوارع، لو تطوعوا لكان قيامهم بهذا المشروع بمثابة تمرين لهم تجاه الواجبات، ودرساً نافعاً للمجتمع الذي اقتنع حتى ذلك العهد بالمطالبة بحق الأموات، راجياً من البلدية الاستعمارية بناء سور حول المقبرة وتنظيف داخلها، فلو تحركت همة بعض الشبان في تنظيف المكان، لتحركت همم أخرى بجمع المال ولتقدم البناؤون للعمل الخيري بالمجان. وإذن لتبين لهذا الشباب أن السياسة الحقيقية التي تغير وجه الأشياء ووضع الشعب، ليست في المطالبة بحق، ولكنها في القيام بالواجب.

عرضت مشروعي على طائفة من الشبان اجتمعوا لاستماعي بمقهى (باهي)، وهتفوا لمقالي عندما انتهيت، وسررت وسعدت، ثم تفرقنا ولم يتحقق المشروع.

ولو راجعت اليوم هذه الصفحة المعبرة عن لافعاليتنا، لوجدت فيها ما يتصل بموقف الشبان من الناحية النفسية، وما يتصل بموقفي من الناحية الفكرية.

ومما زاد الطين بلة في تلك الفترة أن (الجبهة الشعبية) كان لها على الحياة العامة الجزائرية التأثير نفسه الذي كان لها في فرنسا، وخاصة أنه قد فتحت في الجزائر محابس الكلام، فاستولى على كل فرد داء الكلام كلامه أو كلام جاره، وإنه لداء قتال!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015