الثكنة للحصول على حصة طعام، يتناولونها في علب قصدير يلتقطونها من مزابل المدينة، ويخفونها تحت أسمالهم لينقلبوا إلى أهليهم.

كان هذا المنظر يذكرني بمأساة الشعب الذي يعيش في عالم لا تعرفه القيادات، ويحدثني يومياً عن التدهور الاجتماعي الفظيع الذي يواجهه الشعب وحده دون مساعدة رسمية ولا إرشادات أخوية.

وقد اتفق الرأي بمناسبة عيد فطر أو أضحى، أن نوزع بعض الملابس على الأطفال، وإذا بعدد منهم لم نكن نتوقعه يأتي من كل حدب وصوب، وزوجي التي التحقت بي في هذه الأثناء، تتتبع من إحدى نوافذ بيتنا عملية التوزيع، لأنها كانت تجري في شارعنا، وقد تجمعت مند الصباح الباكر، جموع من الأسمال والأسقام كان أثر منظرها على أعصاب زوجي مثل الصدمة النفسية، حتى إنني عندما عدت إلى البيت، سمعتها تقول وكأنها في حالة وجدانية غريبة:

- والله لو وضعوا رشاشة في مدخل هذا الشارع، ورشاشة أخرى في مدخله الثاني، ثم حصدوا هؤلاء الأبرياء بالرصاص، لكانوا أرحم بهم من أن يتركوهم تائهين هكذا! ..

كنا في عهد (الانشلوس) (?) وتأخر المستشار (دلفوس) عن الحكم أو أخروه، وأصبحت طريق فيينا مفتوحة، فوصل هتلر والطبل يدق دقاته العسكرية، وألقى خطاباً عقّبت الجماهير على كل كلمة منه بهتاف تنقله أمواج الأثير كصدى عاصفة اجتاحت العالم.

كانت ليلة لا نظير لها. كنت أسمع الخطاب في مخزن (سي الصادق بو ذراع)، مع (خالدي إبراهيم)، فكانت كل موجة تصب في قلبي الرجاء بفناء قريب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015