لا يشعرون به ولا يؤيدون من يشعر بخطورته، فقد كانوا يفضلون من يخون عهدهم ويرضي غرورهم، على من يخلص لهم وينقد سلوكهم، لذلك نشأ في هذه الفترة بالذات بيني وبين الشيخ (العربي التبسي) ما يشبه القطيعة، لأنني توليت وحدي المرافعة ضد الزعيم الذي تبرأ منذ سنة في صحيفة فرنسية من جمعية العلماء، التي نصّبته على رأس المؤتمر الجزائري، فكان الشيخ رحمه الله، يقوم بدور المحامي عنه بدعوى أنه الرجل الأوحد؛ بينما كان الرجل يقوم علانية بدور من ينقض الغزل كلما غزله الشعب منذ ربع قرن؛ فيرفض بوصفه رئيساً للمؤتمر فكرة دعوته لسنته الثانية، رفضاً كان بمثابة إلغاء لمبدأ نفسه، في فترة لم يكن العالم فيها قد عرف بعد حق (الفيتو) الذي سيكون له شأن في مداولات الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

انتصر الاستعمار في هذه المعركة من دون أي بذل ولا تضحية، ثم انتصر في معركة أخرى على أرض الإصلاح بالذات، يوم قرر (الرجل الأوحد) وزملاؤه من (اتحادية النواب) أن تقام بمدينة قسنطينة (زردة) (?)، بعد أن قضى الإصلاح على مثل هذه العادات التي كانت تشوه الدين.

ولا أدري ما فكرت مدام (دوننسان) يوم أقيمت (الزردة)، ولكن كل جزائري كان يعلم أن كل كبار المستعمرين مَوّلوها من مالهم الخاص، حتى تقدم مجاناً للرأي العام، بينما بدأت مخازن اليهود التي حطمها الشعب منذ سنتين عندما نقل إليه نبأ مصطنع بققل (الرجل الأوحد)، تبيع اليوم أقمشة مطبوعة باسمه.

لم يكن التنفس بالأمر اليسير في هذا الجو المتعفن.

كنت لا أخرج من بيتي إلا في المساء، لأتناول شاياً على سطح النادي، إلى جانب (حشيشي مختار) الذي كان هو الآخر يضم في جيبه بطاقة عضويته في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015