ولم يخطر ببال أحد أن يصرخ بكلمة (الخيانة)! .. في جو بدأ فيه (مصالي حاج) ينصب الخلايا لحزبه بمدينة الجزائر .. وبدأ الوطن يهجر حلبة الواجبات ويتجه إلى ميدان الحقوق .. والتقدمية ..

وإنني لأرى، وأنما أحرر هذه السطور بعد مضي ثلث قرن، نتائج هذا الانحراف في المظاهرة الطلابية التي تمر هذه اللحظة في الشارع تحت نافذتي، منادية بسقوط شخصية عربية أعلنت اليوم استقالتها من الحكم بعد الهزيمة النكراء، بينما لم أر همة هذا الشباب تتحرك قبل أسبوع لينادي بسقوط (موشي دايان).

إن هذا الظرف يكشف عن ظاهرة الفرار من الواجب بالتظاهر والمظاهرات، تلك الظاهرة التي لم تكن بعد نتائجها واضحة في الميدان السياسي ولكنها أصبحت في منتهى الوضوح في الحقل النفسي.

أصبح كل الناس يتكلمون بينما لم أمنح يوم ولادتي موهبة كبار المغنين، فكنت أبقى غالباً ملازماً الصمت إلا في بعض المناسبات، عندما يتغيب الشيخ (العربي التبسي) ليلة جمعة، لأنه تعود أن يتحدث تلك الليلة في (نادي الشبيبة الإسلامية) فإذا تغيب يطلب مني أن أنوب عنه، فأغتنمها فرصة لمقاومة التيار الجارف، فأتحدث فيما يتصل بالواجبات أو بمشكلات الحضارة.

ولكنها صخرة (سيزيف) يرفعها إلى القمة، فتسقط مرة أخرى في الهاوية السحيقة. كذلك أصبح ضمير الجمهور الجزائري لا يرتفع في لحظة موفقة إلى مستوى المشكلات الحيوية، دون أن يهوى مرة أخرى في الثرثرة والمظاهرت، بتأثير جاذبية الظهور، جاذبية محكمة يجيد الاستعمار تسليطها على الحركات الناشئة لتعكس اتجاهها إلى أسفل.

ولم يكن في استطاعة العلماء مواجهة هذا التيار، لأنهم بادئ ذي بدء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015