وكانت تزورنا أيضاً أسرة، هي رجل وامرأته؛ كان الزوج شاباً طيباً جداً يشتغل في دار باريسية للنشر تخصصت في طباعة وتوزيع الكتب العلمية المبسطة، فأتى الحديث بطبيعة الحال على الصعوبات التي أواجهها، فأشار علينا الزوجان بأن أتعاقد مع الدار، التي رأت فعلاً من مصلحتها أن تمد نشاطها إلى الجزائر.

تم التعاقد وتقرر موعد السفر وجهزتني زوجي من صنع يدها، لأن شراء الملبس من السوق أصبح متعذراً بالنسبة إلى إمكاناتنا، فاشترت قطعة قماش صوفي من دكان يهودية تشتري بضاعتها بالكيلو من المصانع، وتبيعها بالمتر لنساء المدينة، ففصلت لي زوجي من قماش لمعاطف السيدات (بدلة) لأن خزانة ملابسي لم تجدد تلك السنة كالعادة.

ثم أقام مدير الدار الباريسية مأدبة غداء على شرفي، وسافرت مع صديقي. كنت حريصاً عند وصولي إلى الجزائر، أن أتحسس نتائج الأحداث التي أثرت في انهيار المؤتمر الجزائري الإسلامي، بعد قتل المفتي (بن كحول) واعتقال الشيخ (الطيب العقبي)، فوجدت الكساد مخيماً في ربوع المدينة، خصوصاً في نادي الترقي الذي كان معقل الإصلاح في العاصمة.

ووجدت (محمد الشريف جوجلاريه) منزوياً في مقهى بالحي الشعبي، يحرر خطابات الأميين إلى ذويهم؛ فتأثر عندما رآني لجأت إلى ترويج العلم المبسط وسيلة عيش، ولم يكن هذا الرجل الطيب يدري، ولم أكن أدري أن هذه الوسيلة ذاتها لا تجدي في يد مسلم يعمل بها.

ومنذ الغد شرعت في العمل، يصحبني صديقي في المحاولات الأولى، حتى يرشدني إن اقتضى الحال، فوجدني أدرى منه في الموضوع كما قال لي ذلك بكل صراحة، فتركني لشأني بعد اتفاق على خريطة نشاطنا في الأحياء الأوربية، حتى لا نطرق كلانا الباب نفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015