آه يا للرجل الطيب! .. إنه تعود في حياته العادية الطرق الواضحة، دون أن يعلم شيئاً عن المسارب الملتوية في حياة المستعمرات! ..

لقد تصورت في ذلك الحين لأي (صديق المسلمين) وُجهت رسالتي، ومع ذلك فضلت أن أترك زوجي ترتاح من كربها ريثما يأتي النبأ، فلم يمض إلا يومان أو ثلاثة أيام، حتى أتاني خطاب من الأستاذ (مسينيون) يطلب حضوري.

لا مناص من مواصلة الطريق الذي سطّرته الأقدار إلى آخر خطوة. وإذن لم يكن هناك بد من خطوة أخرى إلى (مسينيون)، أجلسني كالمرة الأولى أمام مكتبه ولم يسألني عن شيء، سوى الظرف الذي تعرفت فيه بالقس الفاضل الذي وجّه خطابي إليه، كأنه يجري تحقيقاً في هذه القضية بالذات دون اهتمام بسواها إلا في نهاية الحديث:

- إنك تطلب شيئاً هاماً.

ودعني بهذه الكلمات عند باب الشقة.

ربما كنا في أوائل سنة 1937، ولا أدري كيف بلغني أن الإدراة بتونس قد شرعت في فتح طريق بالجنوب التونسي، وأنها تطلب تكنيين من أجل إنجازه، غير أنني أتذكر شعوري في هذه المناسبة بضرورة تغيير خطة السعي:

- أن أقصد رجلاً يلبس جبة الراهب لا يحقق شيئاً في مجتمع علماني كما دلت على ذلك تجربتي الأخيرة. عليَّ إذن بالتذرع برجل يتصف بـ (الفكر الحر).

وقد كان كل ساكن من سكان (دروكس) يعلم أن عمدة المدينة في أعلى رتبة من سلم (الماسونية): ..

- عليّ به، لعل الفتح يكون على يده ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015