كنت عندما أعود إلى بيتي من باريس، بعد كل ما يصيبني من تعب البحث عن الشغل، وبعد كل مسامراتي المرهقة بمقهى الهجار والحي اللاتيني، أعود وعلى وجهي ملامح تفزع زوجي:

- والله لكأنك عدت من ارتكاب جريمة.

تقول هذه الكلمات لا ترى في عيني من آثار حمى التعب، التي تترك شعري مشعثاً على رأسي، في هيئة من يعود من مغامرة خطيرة.

ولكن لا تمر إلا ليلة واحدة من الراحة في بيتي حتى تعود ملامحي إلى عادتها في أنس الأسرة وهدوء الطبيعة ..

كان الأمر كذلك هذه المرة، فاسترجعت حتى بعض الأمل في نتيجة الامتحان، ولكنه أمل الأطفال الذين يستطيعون، بمنة من الله عليهم، أن يستعيدوا في لحظة وجيزة المرح الذي يطمسه على وجوههم البريئة ظرف قاسٍ.

لقد كان البريد شحيحاً بالنسبة لي، لذلك لا أنتظره عادة؛ بالإضافة إلى أن الجزائريين قد وجدوا حلاً صارماً لهذه المشكلة: فلا أحد يكاتب أحداً ...

وإنما كنت في انتظار خطاب قسم هندسة المدفعية، فجاء في موعده، يتضمن سطراً: ((إنكم لم تستوفوا شروط الامتحان)).كأنما أصبحت هذه العبارة المفتاح الذي تفتح به أو تغلق،- لا أدري- قضيتي كلما عرضت على الإدارة ...

لو أستطيع العدول عن الإدارة؟ ... لعل الهيئة الدينية لا تحاكم المسلم بجرم دينه؟ .. فتذكرت اسم رجل دين، هو أستاذ بمعهد للدراسات المسيحية قرب باريس، قد كنت تعرفت عليه أثناء زيارته للجزائر، قبل ثلاث أو أربع سنوات، فكاتبته في شأني، وحالما وصل خطابي إليه لم يتأخر ذلك الرجل الطيب بالجواب: إنني أوجه في الحين رسالتك إلى أحد أصدقاء المسلمين بباريس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015