كان (صالح بن الساعي) يواصل كفاحه البطولي من أجل تثبيت قدميه على الأرض على الرغم من مناورات الاستعمار، يواجه كل عقبة في طريقه بالابتسام، ولا زال (حمودة) في جبهة المعركة ولم يركن بعد إلى الانزواء الذي سيجعل منه رجلاً يعيش إلى اليوم، على هامش المجتمع بحكم عقدته ضد كل حياة اجتماعية.
ولا زال (علي بن أحمد) ساخطاً على الجميع، يلعن شياطين الإنس والجن عن يمينه وعن شماله، ويهدي التحية الهتلرية لمن يعرف ولمن لا يعرف على الرصيف، وكان أكبر سخطه موجهاً في تلك الفترة إلى جمعية العلماء، ينتقدها حتى لتعيينها الشيخ (الورتلاني) نائباً عنها في باريس، فيعلن سخطه:
- إنهم تعدوا على كرامتنا نحن، أنا، و (بن الساعي).
وكنت في الحقيقة على الرغم من مودتي للشيخ (الورتلاني) رحمه الله، أشعر أن تعيينه عن جمعية العلماء بباريس، كان انتقاصاً من موقفنا أمام السلطات الاستعمارية، التي طالما وقفنا منها بوصفنا مناضلي الفكرة الإصلاحية. ولكن لعل الظروف تصرفت وحدها في القضية كما سيفسر لي ذلك الشيخ (العربي التبسي) في إحدى مناظراتنا، بعد هذا العهد بكثير.
وبقيت أيضاً على اتصال بـ (أنا كليتو)، أزوره في تلك المناسبات بسبب ما أجد في حديثه عن الإسلام والمسلمين من ألوان جديدة تنعش نفسي وتفيدني من الناحية الفكرية.
وفي أحد هذه التجولات الباريسية، توجهت لدرستي لطلب شهادة عادية كنت في حاجة إليها، فأشار علي الموظف المكلف بهذا الإجراء، أن أرجع في الغد لسحبها، فصادف بعد خروجي من المدرسة، أن التقيت بالمدير (سودريه) على رصيف بالحي اللاتيني، فنظرت في وجهه دون أن أجد فيه ملامح الوقار والعلم