- إن ألمانيا ستطلق الكلمة إلى سلاحها السري الذي لا يبقي ولا يذر، حتى لا يبقى أحد يتساءل عما يحدث في الغد، لأن بعده لا معنى لسؤال عما بعد ...

فالآن وأنا بينما أراجع ذكرياتي، أرى أن (غوبلز) لم يكن يومئد يهدد العالم بسلاح سري لم يكن تحت يده، وإنما كان يعلل نفسه بالفناء ...

بينما كان الرأي العام الفرنسي حينذاك منقسماً تجاه الهجرة الإسبانية التي أصبحت شغله الشاغل، بين يمين يشيد بانتصار (فرانكو)، ويسار يتجند بكل ما يضم من أشخاص وهيئات، من أجل إيواء وتشغيل المهاجرين، حتى أصبحت أوازن عبثاً هذا الموقف الإنساني للتقدميين الفرنسيين- كما نقول اليوم- بموقفهم الجامد إزاء البؤس الفظيع الذي يتجلى في حياة العمال المغاربة، الجزائريين خاصة، الذين يتيهون في أتعس الأحياء الباريسية دون أن تنشط أي همة إسعاف نحوهم، بينما القانون يضعهم في إطار الجنسية الفرنسية.

ولم تكن هذه الموازنة كلها عبثاً لأنها تأتي ضمن سلسلة الظروف التي جعلتني أدرك بصورة واقعية، أن الروابط البشرية لا تصوغها القوانين الموضوعة، وإنما تنشأ بين أفراد مجتمع حدد التاريخ مصيره بوصفه كُلاً.

عشت تلك الفترة بين دروكس وباريس، فكان إطار حياتي بـ (دروكس) الطبيعة الجميلة على ضفة نهر (الأور)، في تلك الحقول المفروشة كبساط أو كحلة خضراء تحت السماء، أذهب مع زوجي و (أمي مورناس) بعد الغداء، لاقتطاف قوت أرانبنا اليومي، من كل طيب ولذيد من النبات.

وكم تعلمت في هذه المدرسة من المرأتين، لأنهما تعطيان لكل نوع من النبات اسمه الخاص، وتسميان كل حشرة باسم خاص، دون أن يكون لها أي اطلاع بعلم النبات ولا بعلم الحشرات، شأنهما في ذلك شأن أي راع عندما يسمي الأشياء بأسمائها التي علمها الله لآدم يوم خلق الكون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015