- لو أنني لم أجد في البلاد مأوى وعملاً فماذا أصنع بعد ما ينتهي ما لدي من نقود؟ بأي شيء أعود إذا ما اضطررت للعودة؟

كانت لحظات مزعجة يتصارع فيها تصميمي على مواصلة الطريق، مع الجبن الذي بدأ يتفشى في أعصابي، مع كل كلمة تضيفها السيدة.

لم تكن الحياة القاسية قد علمتني بعد أن أحطم ورائي كل جسور الرجعة، فبدأت أتراجع وأقول في نفسي:

- لعلي بباريس وحتى بالجزائر لم أستنفد كل الإمكانيات ...

كان تصميمي عندما قمت من سطح المقهى على آخر رمق، بدأت أخبار الجزائر الأخيرة التي وردت للحي اللاتيني قبل مغادرتي باريس، تعود إلى فكري.

كانت الحكومة الاستعمارية قد ألقت القبض منذ أسبوع على الشيخ (العقبي) بتهمة الإسهام في اغتيال مفتي الجزائر، فقررت أن أوجه له في السجن برقية تأييد. فرأيت على وجه موظفة البريد علامة التعجب من الأمر، ربما بسبب المرسَل إليه وخاصة بسبب عنوانه ...

...

تنبأ بغض علماء الفلك بكارثة اصطدام ممكنة بين الأرض، وبين أحد الأجرام في السماء. وأتذكر أنني قرأت هذا النبأ في صحيفة مسائية بمقهى الهجار، بعد أيام قلائل من عودتي من رحلتي، فتقبلته بكثير من الرجاء.

إن المرء يعيش هذه الحالات النفسية عندما لا يبقى أمامه إلا رجاء الفناء. ولاشك أن (غوبلز) مر بها في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، عندما أصبح (الريش الثالث) وشيكاً من حتفه، خصوصاً ذلك اليوم الذي صرخ فيه (غوبلز) من إذاعة برلين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015