منها تغطي على الفاجعة السابقة، وكان الضرر الذي يأتي اليوم يضمد بقساوته الضرر الذي شعرنا به الأمس.

وإذا بالصحافة تنقل نبأ مقتل مفتي الجزائر الشيخ (بن كحول) وتعزوه إلى (جمعية العلماء)، وإذا بالصحافة تنقل في الأسبوع نفسه، أن زعيم حركة (اتحادية النواب) الذي كان على رأس الوفد الجزائري، عاد إلى فرنسا في زيارة خاطفة، وأنه عند نزوله من الباخرة بميناء مرسيليا، قد استنطقته الصحافة:

- ما هي علاقتكم بجمعية العلماء؟

ففهم الزعيم بالضبط معنى السؤال الخبيث في ذلك الجو، فما زالت جثة مفتي الجزائر تستقطب كل الأحاديث السياسية، فقال رداً على السؤال:

- لا علاقة لنا مع من أيدهم مخضبة بالدم! ..

لم تكن هذه الكلمات طعنة من الخلف موجهة ضد الحركة الإصلاحية، ولكن الظرف كان يضفي عليها معنى الطعنة في صدر المؤتمر بالذات، الطعنة التي ألقته فعلاً قتيلاً في مهده، بعد شهر فقط من ولادته، وتبخرت في لحظة تلك الوحدة المقدسة التي ضمت في صف واحد كل القوى الشعبية، بعد ربع قرن من سير حثيث موفق نحوها.

والآن بعد ثلث قرن لم يتغير حكمي في القضية: إن الظروف السانحة وضعت العلماء أمناء على مصلحة الشعب، فسلموا الأمانة لغيرهم لأنهم لم يكونوا في مستواها العقلي، وسلموها لمن يضعها تحت أقدامه لتكون سلماً يصعد عليه للمناصب السياسية.

ولا مجال هنا لبحث القضية في جوهرها الحضاري، لفحص الأسباب التي جعلت العلماء أي الطائفة المتكونة من بوتقة ما نسميه (الثقافة التقليدية) لا يستطيعون القيام بالمهام الكبرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015